ولات جامو
في روج آفا، تقف قامشلو شامخة لا كمدينة فقط، بل كفكرةٍ تمشي على قدمين، وكسِفرٍ من ذاكرة لا تنطفئ. هنا، لا تُقاس المدن بمساحتها، بل بما اختزنته من وجع وكرامة، وبما سكن حجارتها من حكايا العشاق والمقاتلين والحالمين.
قامشلو ليست مجرد اسم، بل نبوءةٌ تمشي على الأرض، وصرخة ذاكرةٍ لم تنكسر، ووعيٌ جماعي يُجيد فن التحدي والبناء. في أزقتها، تنام الأحلام الكبرى على أرصفة الترقّب، وتستيقظ كل صباح على زغاريد الأمهات، وصدى الخُطى المتجهة نحو غدٍ لا يُفصَّل في غرف الفنادق، بل يُنسج على وقع القلوب التي تنبض للأرض.
هنا، لا تُولد الكلمات من فراغ، بل من معاناةٍ مجبولةٍ بالإرادة. لا تُستعار الأفكار من الخارج، بل تُزرع وتنمو على تربة كردستان العتيقة.
ولأول مرة في تاريخ الشعب الكردي، لا يُدوَّن الحاضر على هوى الغريب، ولا يُكتب الماضي بأقلام الوافدين على الجغرافيا والهوية.. اليوم، نحن من نؤرّخ ذاتنا.. نكتب التاريخ بأيدينا، لا بوصاية، بل بدماء الشهداء، وبتضحيات من حملوا الوطن في أعينهم قبل أن يرفعوه راية. نُصحح المسار، ونكسر سطوة الروايات المزورة التي حاولت اقتلاعنا من جذورنا.
نحن أبناء الشعوب الأصيلة التي لم تستجدِ اعترافًا، بل فَرضَت حضورها عبر حضاراتٍ بُنيت على ضفاف دجلة والفرات، وفي سفوح جبال القوقاز شمالًا، وقزوين، مهاباد، والأهواز شرقًا، مرورًا ببلاد الشام جنوبًا، ووصولًا إلى الأناضول وجبال الكرد غربًا. نحن الامتداد الطبيعي لكردستان الحقيقية، ولسنا تفصيلًا هامشيًا في خريطة مؤجلة.
من هنا، من قامشلو، تنبع الرؤية، وتتشكل الملامح الصافية لمستقبلٍ يُشبهنا، ويليق بنا، لا يُكتب في الظل، ولا يُملى من وراء الحدود.
هنا، حيث تتقاطع الجهات، تبدأ الحياة.