ترجمة وإعداد: باقي حمزة
منذ زيارة ترامب إلى السعودية، أصبح المشهد السوري أكثر نشاطاً. كما اشتد الصراع على النفوذ بين القوى المحلية والإقليمية، بما في ذلك تركيا، والقوى الدولية في سوريا، حيث يحدث تطور مهم واحد على الأقل كل يوم تقريبا. من الصعب جداً الإدلاء بتعليقات حاسمة حول الساحة السورية متعددة الأطراف ومتعددة الحسابات، أو التنبؤ بالوضع خلال يوم أو يومين.
وبالنظر إلى الظروف الحالية، لا يبدو أن الساحة السورية ستبقى هادئة لفترة طويلة. ولا تزال هناك العديد من السيناريوهات المتضاربة المحتملة، بما في ذلك اندلاع حرب أهلية جديدة في سوريا.
مرة أخرى، سيكون من الأفضل أن ننظر إلى حرب النفوذ الجارية من الميدان، من خلال التطورات الأخيرة على المستوى الإقليمي والدولي.
التطور الأهم في سوريا هو بالطبع الاتفاقيتان بين سلطة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبموجب الاتفاق الأول، سيتم تسليم السجن الموجود في منطقة قوات سوريا الديمقراطية، والذي يحتجز فيه نحو تسعة آلاف مرتزقة من تنظيم داعش، إلى قوات تابعة لدمشق. ولا تزال التفاصيل المتعلقة بقضية السجون، التي ذكرها ترامب خلال زيارته الخليجية وأدرجت في قائمة الشروط التي قدمتها الولايات المتحدة لدمشق قبل هذه الزيارة، غير واضحة. وعلى حد علمنا، فإن اليقين الوحيد في الوقت الراهن هو أن السجناء في السجن لن يتم نقلهم إلى أي مكان آخر من منطقة قوات سوريا الديمقراطية. وتقول مصادر محلية، إن قوات سوريا الديمقراطية لا تريد تسليم السجن بالكامل لدمشق، وهم محقون في ذلك. أولاً، يبلغ عدد العنصر الخاضعين لسيطرة رئيس سلطة دمشق أحمد الشرع، والذين يعملون بطريقة هرمية مقارنة بالمجموعات المسلحة الأخرى في الميدان، نحو 20 ألف عنصر. ويبدو من غير المرجح أن تتمكن دمشق من توفير الحماية الكافية لسجن يضم تسعة آلاف مرتزق من داعش. وبعد اندلاع أعمال الشغب في السجن قبل بضع سنوات وهروب عدد من مرتزقة داعش، تلقت قوات سوريا الديمقراطية عدة تدريبات أمريكية على قضايا مثل حماية السجن والأمن، والمسلحون التابعون لدمشق لا يملكون مثل هذا التدريب. لكن؛ ولم ينس أحد في سوريا أن السلطة في دمشق كانت الفرع السوري لتنظيم القاعدة حتى سنوات قليلة مضت. ولهذا السبب، هناك اعتقاد سائد بأنه في حال نقل السجن الذي تُحتَجز فيه عناصر داعش إلى وحدات أمنية تابعة لدمشق، فقد تنشأ ثغرات أمنية لا يمكن السيطرة عليها. ومن الضروري أيضاً أن نتذكر أن العديد من المسلحين، الذين قاتلوا إلى جانب الجولاني في إطار الفكر الجهادي قبل أن يصبح “الشرع” اتهموا الشرع بـ«خيانة القضية». بمعنى آخر، هل 20 ألف رجل من أصل 20 ألف رجل تحت قيادة الشرع موالون للشرع حتى الموت، هل سيغيرون ولاءهم عندما ينضمون إلى داعش، أم أن غضبهم على الشرع سيخرج؛ لا أحد يستطيع التخمين. ولهذه الأسباب، وإن انتقلت إدارة السجن إلى دمشق في الوقت الحالي، فإن قوات سوريا الديمقراطية قد تتولى حمايته وأمنه بشكل فعلي.
أما الاتفاق الثاني فهو حول مخيم الهول، الذي يحتجز المتعاونين مع داعش وزوجات وأطفال مرتزقة داعش. وفي هذا الإطار، سيتم السماح للمواطنين السوريين في المخيم بالعودة إلى منازلهم وقراهم، لكن مصادر محلية تقول، إنه في المرحلة الأولى سيتم إطلاق سراح النساء والأطفال والرجال غير المشتبه بانتمائهم إلى داعش. وبناء على ذلك، يقال إنه سيتم إطلاق سراح نحو تسعة آلاف شخص من المخيم الذي يعيش فيه نحو 37 ألف شخص.
وتقوم حكومة بغداد منذ فترة من الوقت باستقبال المواطنين العراقيين في المخيم في مجموعات تضم عدة آلاف من الأشخاص، ولكن لا يزال من غير الواضح ما الذي سيحدث لمواطني البلدان الأخرى. باختصار، لم يتم إغلاق المخيم بشكل كامل ويبدو أن المسؤولية ستبقى على عاتق قوات سوريا الديمقراطية في الوقت الحالي.
على أي حال، من المهم جداً أن يبدأ التعاون بين دمشق والإدارة الذاتية سواء في قضية المخيم أو السجن، في قضية لها أبعاد شرعية دولية مثل داعش. وربما كان هذا هو هدف إدارة ترامب أيضًا. بمعنى آخر، البدء فعلياً بتطبيق اتفاق “الشرع – عبدي” الذي تم التوصل إليه في العاشر من آذار الماضي، والذي تدخلت تركيا فيه عدة مرات منذ ذلك الحين.
أرادت أنقرة السيطرة بشكل كامل على السجون والمخيمات في سوريا التي تُحتجز فيها عناصر داعش من قوات سوريا الديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك تحرك دبلوماسي مكثف للغاية لإنشاء “آلية الخماسية التركية السورية العراقية اللبنانية الأردنية” من أجل الحصول على ورقة التحالف التي كانت لقوات سوريا الديمقراطية مع الولايات المتحدة من خلال القتال ضد داعش. في ظل الوضع الحالي، يبدو أن تركيا لم تتمكن حتى الآن من إقناع الولايات المتحدة بأطروحتها القائلة، بأن الحرب ضد داعش في سوريا يمكن أن تقوم بها دول المنطقة، بما في ذلك تركيا.
ولكن العملية لا تنتهي عند السجون والمعسكرات. ولا يزال من غير الواضح نوع نظام الحكم الذي سيكون قائماً في سوريا. هل ستؤدي العمليات الجارية بين دمشق والإدارات الذاتية، والتي تعدُّ أميركا فيها العامل الحاسم، إلى نتيجة لامركزية، وبنية تتركز فيها السلطة في دمشق؟ من الصعب التنبؤ بها. كما نص اتفاق الشرع – عبدي على أن وضع المنافذ الحدودية والحدود الشمالية الشرقية وحقول النفط والمؤسسات العامة سيتم تحديده من خلال المفاوضات بين الطرفين. وبطبيعة الحال، تجدر الإشارة إلى أن السؤال حول ما سيحدث لقوات سوريا الديمقراطية نفسها لا يزال دون إجابة. ومن المحتمل جدًا أن تركيا تحاول تعزيز الجيش الوطني الذي تدعمه في سوريا، وتشير التقارير إلى وجود حشد عسكري حول سد تشرين منذ حوالي أسبوع. ويبدو أن تركيا تعمل على تعزيز المجموعات المرتزقة التي تدعمها لمواصلة الضغط على قوات سوريا الديمقراطية داخل سوريا.
من جهة أخرى، من المعروف أن محادثات مباشرة تجري بين السلطة المؤقتة في دمشق وإسرائيل، وأن المحادثات يديرها محافظ الإدارة المؤقتة المعين على مدينة القنيطرة على الحدود السورية الإسرائيلية. وتقول مصادر في دمشق، إن هذه المحادثات لا تتعلق بعملية التطبيع مع إسرائيل، بل تجرى لإنهاء احتلال سوريا، الذي جعل إسرائيل على أبواب دمشق تقريباً. ولكن من الواضح أن الأمريكيين يضغطون أيضاً على سوريا لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، ولا يمكن القول، إن سلطة الشرع في دمشق تنأى بنفسها عن هذا الأمر. وكانت مطالب إسرائيل تجاه منظمات المقاومة الفلسطينية من ضمن قائمة الشروط التي قدمتها الولايات المتحدة لدمشق. وبما أن جماعات المقاومة الفلسطينية اضطرت إلى مغادرة دمشق، فمن المرجح أن يتم جمع أسلحتها في لبنان. لقد كتبت مطولاً عن هذا في الأسابيع الماضية، ولكن من الضروري أن أؤكد عليه مرة أخرى؛ سقطت دمشق معقلاً أخيراً لمنظمات المقاومة الفلسطينية، ولم يعد لديهم مكان يذهبون إليه!
هذه التطورات، وقيام دمشق بإقامة اتصالات مع إسرائيل في وقت يستمر فيه الصراع على النفوذ بين تركيا وإسرائيل في سوريا، ويتم ذلك بناء على طلب أمريكا، من شأنها التأكيد أن تغير موازين القوى لصالح الأطراف المتصارعة.
في هذه الأثناء، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن السلطة المؤقتة في سوريا ستدعو وزير الخارجية الشيباني لزيارة موسكو، وأنه اتخذ قرار الدعوة بعد لقائه مع هاكان فيدان خلال زيارته إلى تركيا. يبدو أن روسيا تعود إلى الساحة السورية، وإن لم يكن بقوة كما كانت من قبل، ولكن هل ستدخل كحليف لتركيا أم كلاعب موازن في الصراع التركي الإسرائيلي؟ من الصعب التنبؤ بهذا.
وبطبيعة الحال، هناك العديد من العوامل والتطورات الجديدة، التي يجب أخذها في الاعتبار عند محاولة فهم مسار الأحداث، ولكن لا ينبغي أن ننسى أنه على الرغم من أن الظروف على الأرض تتغير ساعة بساعة، فإن القضية الأكثر أهمية التي يمكن أن تغير الوضع في المنطقة بأكملها، بما في ذلك سوريا، هي المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. ورغم أن الأطراف تواصل المفاوضات، إلا أن تقدم المحادثات ليس إيجابيا للغاية. في حين تريد الولايات المتحدة من إيران وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم بشكل كامل، تقول إيران إنها ستواصل تخصيب اليورانيوم في إطار أنشطتها النووية التي تنفذها لأغراض سلمية. من ناحية أخرى، يبدو أن إسرائيل تنتظر الهجوم على إيران بمشاركة الأمريكيين أو بدونهم.
الطقس في المنطقة ضبابي والأرض زلقة للغاية. بالطريقة التي تسير بها الأمور، قد يأتي السلام، أو قد تأتي حرب إقليمية!