الحسكة/ محمد حمود – أجرى المخرج السوري محمد عبد العزيز زيارة إلى إقليم شمال وشرق سوريا، حيث أبدى إعجابه العميق بالمنطقة وما تحمله من إرث حضاري وثقافي متميز، وفي حوار أجرته معه صحيفتنا “روناهي”، تحدث عن انطباعاته حول الزيارة، والحراك الفني والثقافي في المنطقة، وتأثير الأزمة السوريّة على الفنون.
أشار المخرج السوري محمد عبد العزيز إلى أن زيارته إلى شمال وشرق سوريا، كانت بمثابة رحلة في رحم الزمن، حيث يمتزج الماضي الحضاري العريق برؤية مستقبلية واعدة.
ووصف المنطقة بأنها خزان حضاري ضارب في القدم، يحمل في طياته مفردات ثقافية وجغرافية فريدة تشكل هويتها المميزة.
وأضاف أن التجول في شوارعها وأرجائها يكشف عن تنوع إنساني وثقافي يعكس تفرّد شعوبها ومكوناتها المختلفة. كما أكد إن هذه المنطقة، بفضل صبرها ووضوح رؤيتها في البناء، ستتحول في المستقبل القريب إلى إحدى الحواضر الثقافية والفنية البارزة في الشرق.
ونوه إلى أن شمال وشرق سوريا تمتلك إمكانيات هائلة تجعلها مركزاً حضارياً يجذب الأنظار، مشيراً إلى أن التجربة الحضارية التي تشهدها المنطقة تجمع بين الأصالة والحداثة بطريقة ملهمة.
طاقة إبداعية وفضاء فني ثري
وعن المظاهر الفنية التي لفتت انتباهه خلال زيارته، أوضح عبد العزيز أنه لمس طاقة إبداعية كامنة لدى النشء الجديد في شمال وشرق سوريا.
وأشار إلى وجود فضاء فني ثري يتم توسيعه من خلال إنشاء معاهد أكاديمية منتشرة عبر جغرافية المنطقة، والتي تعمل على صقل المواهب وتطوير المهارات الفنية. وأكد إن هذا الفضاء، بكل تعبيراته من موسيقى ومسرح وفنون تشكيلية، سيشكل الواجهة الحضارية المتقدمة لروج آفا. وأضاف إن هذه المعاهد تُسهِم في خلق جيل جديد من الفنانين القادرين على التعبير عن هوية المنطقة وتاريخها بأسلوب إبداعي ينافس التجارب الفنية العالمية. كما نوه إلى إن هذا النشاط الفني يعكس التزام المنطقة بتعزيز ثقافتها رغم التحديات، مما يعزز من مكانتها كمركز إبداعي متميز.
الحراك الثقافي وسط التحديات
عبد العزيز تحدث عن الحراك الثقافي والفني في شمال وشرق سوريا، مؤكداً إن المنطقة تواجه تحديات جمة تؤثر على شعوبها وشرائحها المجتمعية.
وأقرَّ بوجود صعوبات معيشية وأمنية واقتصادية، لكنه أشار إلى أن هناك خبرة متراكمة في العمل تحت هذه الظروف القاسية.
كما أوضح إن معظم التيارات الفنية التي شكلت هوية الفنون على مستوى العالم قد انبثقت من سياقات صعبة مشابهة، مضيفاً أن هذا لا يعني أن الصعوبات شرط أساسي للإبداع.
وأكد أن الحراك الفني في المنطقة يحقق نتائج لا تقل أهمية عن تلك التي تشهدها مناطق أخرى في سوريا، بما في ذلك العاصمة دمشق.
ونوه إلى ضرورة العمل بمنهجية ومثابرة لتحويل الحالة الفنية من فعاليات موسمية إلى فعل عضوي يصبح بوتقة لإمكانيات المنطقة، بحيث يمكن تقديمها إلى العالم بما يتناسب مع تجربتها الحضارية الفريدة، وأضاف أن هذا التحول يتطلب دعماً مستمراً للمبادرات الثقافية وتعزيز البنية التحتية للفنون.
مستقبل الفنون في سوريا الجديدة
في سياقٍ حديثه عن مستقبل الفنون في سوريا، أكد عبد العزيز إن الفنون، شأنها شأن القطاعات الأخرى، تأثرت بشكلٍ كبير بالأزمة التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الماضية. ومع ذلك، أعرب عن تفاؤله بمستقبل الفنون في ظل رؤية سوريا الجديدة التي يأمل أن تكون لا مركزية، تعددية، وديمقراطية.
وأشار إلى أن هذه الصيغة ستوفر فرصاً أوسع وأشمل للمشتغلين بالفنون، مما يتيح لهم إبراز إبداعاتهم وإسهاماتهم على نطاق أوسع، وأضاف إن هذه الصيغة هي السبيل الوحيد للسوريين للحفاظ على إرثهم الوطني والثقافي، مؤكداً أنها ستفتح آفاقاً جديدة أمام الفنانين والمبدعين في مختلف المجالات.
ونوه إلى أن الفنون في سوريا الجديدة ستكون أداة قوية للتعبير عن التنوع الثقافي وتعزيز الهوية الوطنية.
الحرب كمادةٍ فنية ودور الفن في التوثيق
إن الحروب لطالما شكلت مادة غنية للفنون عبر التاريخ، يشير عبد العزيز إلى هذه النقطة مستشهداً بحرب طروادة والحربين العالميتين الأولى والثانية، اللتين لا تزالان تُعيدان إنتاجهما بصيغ فنية متعددة بفضل غنى أحداثهما الدرامية وتأثيرهما العميق على الأفراد والمجتمعات.
وأكد إن الحرب في سوريا، وبخاصةٍ المقاومة التي أبدتها صنوف القوات في شمال وشرق سوريا، تشكل مادة فنية دسمة يمكن أن تُلهم أعمالاً إبداعية كبيرة في المستقبل، ووصف هذه المقاومة بالأسطورية، مشيراً إلى أنها تجاري في قوتها المقاومات التاريخية التي شكلت وعي الإنسانية.
وأضاف أن تجربة شمال وشرق سوريا لم تقتصر على المقاومة العسكرية، بل شملت بناء قيم الحرية والمساواة والعدالة والتآخي بين شعوب المنطقة، وأشار إلى أن هذه التجربة الملهمة تشكل مصدر إبداع جذاب بكل معانيه، سواء على المستوى الفني أو المعرفي.
المخرج السوري محمد عبد العزيز دعا في ختام حديثه الفنانين الذين يمتلكون مشاريع ثقافية وفنية تنحاز إلى الإنسان والحقيقة إلى الاقتراب من هذه التجربة لتوثيقها فنياً، مؤكداً إن الفن يلعب دوراً حاسماً في حفظ الذاكرة الجماعية ونقلها إلى الأجيال القادمة.