قامشلو/ ملاك علي – رغم مرور أكثر من 14 عاماً على النضال المستمر لحركة المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا، ورغم وجود قوانين صادرة عن الإدارة الذاتية تهدف لحماية النساء من أشكال العنف، لا تزال النساء في المنطقة يدفعن حياتهن ثمناً لعقلية ذكورية متجذرة، وعادات عشائرية موروثة لا تعترف بكرامة المرأة ولا بحقوقها، والجرائم مستمرة، آخرها كانت جريمة مروعة راحت ضحيتها المواطنة “شفاعات رسول”، أم لسبعة أطفال، قتلت على يد زوجها السابق في جريمة صادمة هزّت الرأي العام.
وقعت الجريمة عند دوار أوصمان صبري، في الساعة الثالثة فجراً، حيث كانت الضحية تحاول الهروب من تهديدات زوجها السابق، الذي تشير المعلومات المتوفرة إلى أنه كان يعمل في تجارة المخدرات والأسلحة، ما جعل حياتها عرضة للخطر بشكل دائم. وكانت “شفاعات” قد حصلت على الطلاق منه منذ سنتين بعد معاناة طويلة، لكنها لم تسلم من عنفه حتى بعد الانفصال.
القاتل تعمّد تنفيذ جريمته بدم بارد، مستغلاً هروب الضحية ومحاولتها الاحتماء، وقد تم تصنيف الجريمة تحت بند “الجريمة المنظمة”، ورفِع الملف للتحقيق ضمن هذا الإطار، وكان لمنظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، دور مباشر في متابعة القضية، حيث عملت على أن تكون طرفاً شخصياً في الدعوى، وحضور جلسات المحاكمة الخاصة بالضحية، وبعد انتهاء التحقيقات، سيتم تحويل الملف إلى النيابة العامة، وعندها سيقرأ الملف بشكل رسمي ويتم استكمال الإجراءات القانونية لضمان محاسبة المجرم وإنزال أقسى العقوبات بحقه.
جرائم الشرف حجة تشرعن قتل النساء
وفي هذا الصدد؛ بينت إدارية منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة في إقليم شمال شرق سوريا “أرزو تمو“، في لقاء خاص مع صحيفتنا “روناهي”، أن المنظمة وبمشاركة واسعة من التنظيمات النسائية أصدرت بياناً مندداً بجريمة قتل النساء على خلفية الجريمة التي حدثت مؤخراً في مدينة قامشلو، وطالبوا عبر البيان بتشديد العقوبات وضرورة المحاسبة.
وترى أرزو، أن الأسباب التي تساهم في ازدياد هذه الجرائم هي متعددة، لكن من أبرزها استمرار هيمنة الذهنية الذكورية، والعادات والتقاليد العشائرية المتوارثة، التي ما تزال تُفرض على النساء بقوة، وتُستخدم لتبرير الانتهاكات والعنف، حيث أن هذه الذهنية لا تزال تتحكم في مواقف كثيرة، سواء داخل العائلة أو المجتمع، وتُعدُّ من الأسباب الأساسية لانتشار جرائم الشرف، التي غالباً ما تكون ستاراً زائفاً خلفه تُرتكب الجرائم ضد النساء دون محاسبة جدية.
وفي مواجهة هذا الواقع، تؤكد أرزو أن التوعية المجتمعية هي من الركائز الأساسية لتغيير الذهنية السائدة، وتطالب بتكثيف الندوات والمحاضرات التوعوية، للنساء والرجال على حد سواء، من أجل نشر ثقافة المساواة واحترام حقوق المرأة.
وتشير أرزو إلى أن الإدارة الذاتية كانت قد أصدرت قوانين لحماية المرأة في عام 2014، والتي تم تعديلها وتوسيعها عام 2022 ضمن إطار ما يُعرف بـ “قانون الأسرة”، والمُطبق حالياً في المحاكم التابعة للإدارة الذاتية الديمقراطية، هذه القوانين تهدف بشكل واضح إلى الحد من ظواهر العنف والقتل ضد النساء، إلا أن التحدي الأكبر لا يزال يكمن في التطبيق الصارم لها، وتحقيق العدالة الفعلية على الأرض.
إدانة القاتل لا تكفي
تُطالب أرزو بـتفعيل تلك القوانين بقوة وصرامة، وتدعو إلى محاسبة كل مرتكبي الجرائم بحق النساء دون تهاون، فالمجتمع لا يمكن أن يتعافى طالما بقيت المرأة ضحية سهلة دون حماية حقيقية، وتحت رحمة منظومة اجتماعية تقرّ العنف وتبرره.
واختتمت إدارية منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة في إقليم شمال وشرق سوريا “أرزو تمو” حديثها: “إن قضية “شفاعات رسول” ليست حالة فردية، بل تمثل نموذجاً متكرراً لما تتعرض له النساء في مجتمعنا، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية للحد من الجرائم، وتغيير العادات التي تبررها، وتفكيك البنية الذكورية المتحكمة، إن العدالة للنساء لا تكون فقط بإدانة القاتل، بل في بناء مجتمع لا يُنتج مجرمين بحق النساء، ولا يشرعن العنف ضدهن”.
