الشدادي/ حسام الدخيل – مع حلول كل صيف، تتجدد معاناة سكان مدينة الشدادي جنوب مدينة الحسكة في تأمين مياه الشرب، رغم إطلاق مشروع استجرار مياه نهر الفرات إلى المدينة منذ عام 2021، ورغم مرور سنوات على بدء المشروع، لا تزال الوعود بتحسين الواقع المائي حبيسة التصريحات، فيما تزداد معاناة السكان مع كل يوم جديد من الانقطاع.
في كانون الثاني 2021، أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا عن بدء مشروع استجرار مياه نهر الفرات من محطة الصور بريف دير الزور إلى مدينة الحسكة، مروراً بمحطات الشدادي والـ47 والعزيزية. ويهدف المشروع إلى تأمين نحو 15 ألف متر مكعب من المياه يومياً، كان من المقرر إنها تلبي احتياجات مدينة الشدادي من مياه الشرب بالإضافة إلى 20 بالمئة من احتياجات مدينة الحسكة.
تبلغ تكلفة المشروع حوالي 1.5 مليون دولار أمريكي، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منه بمشاركة 150 عاملاً ومهندساً وفنياً، وتم الانتهاء من المشروع بشكلٍ كامل في العام 2022، إلا إن المشروع فعلياً لم يستفِد منه أي مواطن حتى هذه اللحظة دون وجود مبررات رسمية.
أصوات من الشدادي.. معاناة مستمرة
في الأحياء السكنية لمدينة الشدادي، يتحول تأمين مياه الشرب إلى مهمة يومية شاقة. تصطف النساء والأطفال أمام الصهاريج المتنقلة التي تأتي من الحسكة أو مناطق بعيدة، وسط شكاوى من غلاء الأسعار وسوء نوعية المياه.
“إسلام الأسعد”، أحد سكان حي البجدلي، يروي ما اعتبره مأساة موسمية: “نضطر لشراء خزان ماء بسعة متر مكعب كل أسبوع تقريباً، لكن السعر تجاوز الـ 75 ألف ليرة، وهو عبء كبير على عائلة محدودة الدخل”.
فيما تقوم بلدية الشعب في الشدادي بتأمين المياه بسعر 30 ألف ليرة سوريّة للمتر المكعب الواحد، من خلال الصهاريج المتعاقدة معها والتي يبلغ عددها قرابة الـ 35 صهريج.
أما “سميرة المحمد”، وهي من سكان حي التوسعية، فتقول: “كل ما نريده هو مياه صالحة للشرب، عطشنا طال، وأطفالنا يعانون المياه التي يتم جلبها من الحسكة غالبيتها غير صالحة للشرب وخاصة عند الأطفال وكبار السن، فهي تسبب مشاكل معوية بشكلٍ دائم، وهذا ما يشكل خطر على حياة أطفالنا”.
وتابعت “نسمع عشرات المرات يومياً عن عودة وباء الكوليرا والذي تعتبر المياه الملوثة هي السبب الرئيسي في انتشاره، وهذا الأمر يقلقنا أكثر، نريد حلول جذرية لمشكلة المياه، مشاريع يتم تنفيذها على الورق وتصرف عليها آلاف الدولارات ولكن أين النتائج؟ ..لا شيء ملموس على الأرض، لم نرَ قطرة ماء واحدة منذ قرابة العقدين من الزمن”.
الآثار الصحية والبيئية
مع استمرار الأزمة، يحذر عدد من الأهالي والأطباء المحليين من آثار صحية كارثية على السكان، خاصةً الأطفال والمرضى، فغياب مياه نظيفة يدفع البعض لاستخدام مصادر غير مأمونة، ما قد يؤدي إلى تفشي أمراض معوية وجلدية، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة.
ويصل إلى المركز الصحي في الشدادي شهرياً عشرات الحالات التي تعاني من أعراض الإسهال والتسممات المعوية، وتكون هذه الحالات “ناتجة عن مياه ملوثة أو غير معقمة”.
توقف الضخ من المصدر أبرز أسباب تعطل مشروع الفرات
في بداية العام أطلقت بلدية الشدادي مشروع بقيمة تتجاوز الـ 60000 دولار أمريكي لإعادة صيانة شبكات المياه في المدينة تمهيداً للبدء بعمليات الضخ، وكان من المقرر إن المشروع ينتهي بعد 45 يوم فقط من إطلاقة، إلا أنه وبعد مرور خمسة أشهر لايزال الحال كما هو عليه، لا صيانة ولا شبكات ولا مياه.
نائب الرئاسة المشتركة في بلدية الشعب في الشدادي “محمد المدلول” قال لصحيفتنا: “توقف الضخ من محطة مياه الصور منذ خمسة أشهر هو ما تسبب في عدم استكمال مشروع المياه”.
وعن مشكلة تأمين مياه الشرب، أوضح المدلول إن بلدية الشدادي تعمل على تأمين مياه الشرب للمواطنين عبر الصهاريج المتعاقدة معها البلدية والتي يتجاوز عددها الثلاثين صهريجاً.
وأشار المدلول إن هذه الصهاريج تقوم بنقل المياه من محطتي التحلية الخاصة بقسم المياه في البلدية بالإضافة إلى تعاقد البلدية مع ثلاث محطات خاصة.
يتم تعبئة المتر المكعب من المياه من المحطات بسعر 13 ألف ليرة سوريّة فيما يتم بيعه للمواطنين بمبلغ 30 ألف ليرة.
محطات تحلية تُنقِذ آخر ما تبقّى من كرامة المواطن
في العام المنصرم عمد ثلة من المواطنين لإنشاء محطات لتحلية المياه بسعات مختلفة، وذلك لإيجاد حل جزئي لمشكلة المياه التي تعاني منها المنطقة بشكل عام، وسط العجز الحكومي عن إيجاد الحلول الجذرية للمشكلة التي يعاني منها الأهالي منذ عدة سنوات.
المواطن “عامر المحمد” وهو صاحب أحد محطات تحلية المياه أوضح: “إن مشاريع محطات تحلية المياه، قبل أن تكون مشروع استثماري هي مشروع حيوي بالدرجة الأولى ويهدف إلى تأمين مياه صالحة للشرب للأهالي والابتعاد قدر الإمكان عن المياه الملوثة”.
ويضيف: “جاءت هذه المحطات كحلٍّ جزئي لتأمين نسبة بسيطة من مياه الشرب، ويوجد اليوم أكثر من ست محطات لتحلية المياه منتشرة في محيط مدينة الشدادي، ساهمت هذه المحطات ولو جزئياً بتأمين المياه للأهالي”.
الحاجة إلى حلولٍ مستدامة
منذ ما يقارب أربع سنوات، ينتظر آلاف السكان في مدينة الشدادي وريفها أن يصلهم ماء نهر الفرات، الذي يبعد عنهم أقل من 100 كيلومتر، لكن المشروع ما زال معلقاً، بين عوائق فنية وإدارية، وغياب تنسيق فعلي بين الجهات المنفذة، مع غياب واضح لأي مساءلة أو جدول زمني واضح.
وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الأهالي مطالبة بحلول عاجلة، لا يبدو في الأفق القريب ما يشير إلى انفراج حقيقي، لتبقى الشدادي في مواجهة الصيف بعطشها المزمن، بانتظار أن يصلها “الماء الموعود”.
