روناهي/ الرقة ـ أُسدِل الستار يوم الاثنين 26 أيار الجاري في مدينة الرقة على فعاليات مهرجان الفرات الأدبي الأول، الذي نظمته هيئة الثقافة والآثار تحت شعار “حبر سوري لأجل السلام”، بمشاركة أدبية واسعة من مختلف الجغرافيا السورية، ليكون حدثا نوعيا يجمع الكلمة الحرة برؤية ثقافية وطنية عابرة للانقسامات.
وأُقيم المهرجان بثلاثة أيام متتالية، عُرضت عشرات الكتاب، والتقى الشعراء والأدباء القادمون من مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، ومناطق أخرى من الداخل السوري. وشهدت أيام المهرجان تنوعا في الفعاليات الأدبية والفنية، حيث قدمت قراءات شعرية وقصصية، ونظمت ندوات فكرية وحوارية حول واقع الأدب السوري ودوره في بناء السلام.
مشاركة نسائية فاعلة: ثماني كاتبات على المنصة
وتميز المهرجان بمشاركة نسائية واضحة، إذ شاركت ثماني كاتبات من أصل خمسة عشر مشاركا في إلقاء نصوص أدبية توزعت بين الشعر والنثر والقصة القصيرة. ولفتت المشاركات انتباه الجمهور بحضورهن القوي، ونصوصهن، التي لامست الواقع السوري المعاش، خاصة من منظور النساء وتجاربهن في ظل الحرب والسعي للسلام.
وقد عبر الحضور عن إعجابهم بما قدمته الكاتبات، مؤكدين على أهمية توسيع المساحة المخصصة للأدب النسوي في الفعاليات المقبلة، خاصة في ظل التهميش، الذي عانت منه الأصوات النسائية في سنوات الحرب.
وحرص منظمو المهرجان على أن يكون شاملا للشعوب، فتمت دعوة أدباء من مختلف المناطق السورية؛ ما أضفى على الفعاليات طابعا سوريا جامعا. وتنوعت النصوص والمواضيع المطروحة، من الحنين والشتات، إلى الهوية والحرية والسلام، ما منح المهرجان طابعا وطنيا عميقا يعبر عن روح المثقف السوري المقاوم بالعقل والقلم.
تكريم واختتام: اعتراف بالعطاء الثقافي
وأقيمت مراسم تكريم رسمية للمشاركين والمشاركات، حيث تم توزيع الدروع التذكارية لما يقارب 15 مشاركا ومشاركة، تكريما لعطائهم الأدبي ومساهمتهم في نجاح المهرجان. وقد أكد القائمون على الحدث أن هذا المهرجان سيكون باكورة مهرجانات سنوية متعاقبة، تهدف إلى إعادة الاعتبار للمشهد الثقافي السوري في الرقة وخارجها.
وفي ختام المهرجان قدم عرض فني قدمته فرقة “أحلام عبدي” القادمة من مقاطعة كوباني، أضفى طابعا فنيا مميزا على المناسبة، وسط تفاعل كبير من الحضور.
الأدب يكتب الحياة من جديد
وفي مدينة كانت ذات يوم مسرحا للدمار والعنف، ولدت هذه الأيام الثلاثة فصلاً جديداً من فصول الأمل، حملت الرقة على عاتقها مسؤولية جمع السوريين حول كلمة، لا حول طائفة أو سلاح. كان “حبر سوري لأجل السلام” إعلانا صريحا بأن الرقة قادرة على قيادة مشروع ثقافي وطني جامع، تنبع قوته من الإنسان، لا من مراكز النفوذ.
ولقد استطاع المهرجان أن يعيد تعريف الرقة عاصمة للثقافة الحية التي تنبض بين سطور النصوص، وتستيقظ في أصوات الكتاب القادمين من مدن ممزقة وقلوب موحدة. فالكلمة التي نزعت منها السياسة وأُعيد إليها جوهرها الإنساني، أصبحت في هذا المهرجان وسيلة مقاومة ضد النسيان، وضد الصورة النمطية التي لاحقت المدينة طويلا.
وجاء التكريم الرمزي في ختام المهرجان ليجسد هذا الاعتراف الجماعي بضرورة الإنصات لصوت الأدب، وللمبدعين الذين ظلوا يكتبون في الظل، دون منابر أو إضاءة. فقد كان تكريمهم تكريما لفكرة، ولإيمان لا ينكسر بأن المستقبل يكتب بالحبر، لا بالدم.
وفي ختام المهرجان فُتحت دفاتر جديدة، تكتب فيها الرقة رسالتها للداخل والخارج: إن السلام لا يفرض من فوق، بل يكتب من القاع، من الورق، من القصيدة، ومن الجملة الصادقة التي تعيد ترميم ما هدمته البنادق.
