دلشاد مراد
يشهد القطاع الأدبي في شمال وشرق سوريا جموداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، مدفوعاً بجملة من العوامل ولعل من بينها الوضع السياسي العام في المنطقة، وفقدان البوصلة أو الرؤيا الاستراتيجية المستقبلية، وهذه نتيجة طبيعية لعدم انشغال الكُتاب المحليين بالفكر وعلوم الاجتماع، وضعف النقد الأدبي والثقافي، وتدني مستوى النتاجات الأدبية، وكذلك ضعف أداء المؤسسات الثقافية والأدبية.
وفي تتبع النتاجات الأدبية المحلية نلحظ بسهولة ضعف في المحتوى، وكذلك في استخدام تقنيات الأجناس الأدبية، فالكُتاب -عموماً- لا يشتغلون على أنفسهم فكرياً وأدبياً ولغوياً، ولذلك تجد نوعية أعمالهم “متدنية”، وبالتالي يؤدي ذلك إلى افتقار الوسط الأدبي والثقافي للكفاءات الأدبية الفكرية “المُنظرين”، وهذا بدوره يؤخر من عملية النقد الأدبي والثقافي الجاد، ويؤثر سلباً على أداء المؤسسات الأدبية واتحادات الكتاب والمثقفين. كما أن استسهال الكتابة والأدب أصبحت ظاهرة في حد ذاته، من خلال طباعة أعمال لا ترقى إلى مستوى النشر، بل والاحتفاء بتلك الأعمال ومنح أصحابها التكريمات والجوائز، كما أن عملية النقد الأدبي – رغم قلتها- تتم في بعض الأحيان بطريقة مشوهة، وبأسلوب فظ وغير مهني. وهذا كله يؤدي إلى تشويه فكري، وبالتالي تقزيم لدور الأدب والفكر في النهضة والتغيير الاجتماعي.
وفي شمال وشرق سوريا تلعب العديد من الجهات والمؤسسات أدواراً مؤثرة في إنتاج وإدارة الحركة الأدبية، منها منسقية الأدب وهيئة الثقافة واتحادات الكتاب والمثقفين والجامعات، إضافة إلى الأنشطة التي تُسيَّر الأعمال الأدبية من دور النشر والصحافة الأدبية ومراكز الترجمة والمكتبات وغيرها، ومع أن معظم تلك المؤسسات تعمل جاهدة ضمن سياق الرؤى الثورية في المنطقة، إلا أنها تفتقر لاستراتيجيات أدبية وثقافية مشتركة وواضحة المعالم. بقناعتي الشخصية؛ لن تتطور الحركة الأدبية في شمال وشرق سوريا، إلا مع تطور متزامن ثلاثي الأبعاد (تطور في أداء المؤسسات الأدبية، وتطوير الكُتاب لذواتهم الشخصية الفكرية والأدبية، إضافة إلى البدء في إنتاج وتطوير نظريات أدبية ملائمة للمنطقة وظروفها وتاريخها وتراثها).
وبكلمة أخرى، فإن الانطلاقة بحركة أدبية فكرية ضرورة وحاجة لتحريك الجمود الأدبي والثقافي، بل أنها متأخرة كثيراً، ولا بد من إطلاقها دون أي تأخير، لتواكب التطورات السياسية المتسارعة في المنطقة، وتكون جزءاً من عملية التغيير وإعادة البناء الشامل في البلاد. وفي هذا السياق هناك تعويل على الفئة الشابة في الحقل الأدبي، لأنها أكثر مرونةً وحماسةً وطموحاً، وهي الفئة التي تخرجت من مشارب الرؤى الثورية في المنطقة.
إن مهمة الحركة الأدبية الفكرية المنشودة هي تذليل الصعوبات أمام تطور الآداب محلياً، فتفرز الصالح من الطالح، وتجادل حول الأفكار والأجناس الأدبية التقليدية والحديثة، وتطور الحوارات الفكرية والأدبية، وتجري تقييمات جادة حول الأعمال والنتاجات، وتطور من أداء المؤسسات الأدبية والثقافية.. إنها مهمة في غاية الأهمية، وتتطلب تضافر جهود الكثيرين، وتدخل في سياق النهضة الثقافية المنشودة.