محمد العزو
عام/1980م/ كنا في حملة تقصي عن الآثار والرسوم والخربشات المتبقية على الصخور والبقايا الأثرية من قبل قسم الآثار والمتاحف بجامعة الملك سعود في الرياض. كانت المنطقة التي قمنا بمسحها هي منطقة شمال غرب السعودية وخاصة المناطق التالية: منطقة (العلا)، و(مدائن صالح) والأودية المحيطة بالعلا، ومقابر النبي شعيب عليه السلام وسواحل البحر الأحمر. البقايا الأثرية في تلك المناطق كانت كثيرة ومثيرة، لكن بقايا الرسوم والتصوير التشكيلي لا تكاد تذكر باستثناء بعض الكتابات والخربشات في الأودية؛ لذلك نستطيع القول: إن نماذج النقد الأدبي والفني في العصر السابق على الإسلام اتسمت بالتعميم في الأحكام والذوق الفطري، والارتجال في الأحكام والإيجاز والتركيز، واكتفى النقاد في أحكامهم النقدية بالإشارة إلى العبارة بالتلميح عن التصريح، وما جاء على شاكلتها إذ أنه شمل نقد الأعمال الأدبية والفنية على قلتها. لذلك كان النقد الفني في العصر السابق على الإسلام على بساطته وإيجازه وقلة تعليل أحكامه، كما ما مر من كلام سابق، نقداً ملائماً لبيئته، متوافقاً معها مستجيباً لمتطلباتها للارتقاء بالأدب والفن. والمقصود هنا نقد الشاعر شعره وتهذيبه؛ لأن هذا النمط من أكثر الفنون الأدبية امتداداَ على الساحة الأدبية والفنية.
فمما لا شك فيه أن هدف النقد الفني هو السعي لتحقيق هدف ليس غائباً عن الوعي أي هدف عقلاني لتقدير الفن. وألا يتجاوز الظروف الاجتماعية والسياسية السائدة.
بشكل عام في العصر السابق للإسلام لم يكن هناك فن تشكيلي واضح الملامح بالمعنى الذي نفهمه وندركه اليوم، أي أنه فن يعتمد على استخدام المواد والألوان لإيصال رسالة جمالية. ورغم ذلك، كان هناك في ذلك المجتمع العربي اهتمام بالفنون التطبيقية مثل الحرف اليدوية، كالنحت المحدود وأشكال النسيج الواسعة وشغل الذهب والفضة، بالإضافة إلى فن الخط الذي كان له دور رئيس في تدوين وكتابة القصائد والنصوص الأدبية والخطابة. في ذلك العصر الذي سبق الإسلام بمعنى أوضح وأشمل لم يكن هناك فن تشكيلي يعتمد على اللوحة أو الرسوم أو النحت لكن وكما أوضحنا سابقاً كان هناك اهتمام بالفنون التطبيقية.
بشكل واضح إن عدم وجود ازدهار فن تشكيلي في العصر السابق للإسلام يرجع ذلك لعدة أسباب رئيسة لعل أهمها:
– البيئة الصحراوية التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في ذلك العصر وافتقارها إلى المواد اللازمة لانتعاش ذلك الفن.
– نمط الحياة البدوية المتقلب كان غير ملائم لإنشاء أعمال فنية ثابتة ودائمة.
– كان للتركيز على القيم الدينية دور أكبر من التركيز على الفن التشكيلي.
– عدم وجود نظام تعليمي للفن وعدم وجود مؤسسات فنية آنذاك، بل انصرف العمل الفني على قرض الشعر الذي ازدهر بشكل واسع.
– كان للحروب والنزاعات المستمرة في ذلك العصر دور كبير، في عدم التركيز على الفن التشكيلي.
– كان للأسطورة وقرض الشعر دور كبير ومفصلي في أشكال التعبير الفني في العصر السابق للإسلام، وتفوق على الفن التشكيلي.
لقد دللنا في سابق الكلام على أنه بالرغم من ذلك كانت هناك أدلة كانت ممكن أن تكون دوافع ذات أهمية تشير في كينونتها إلى وجود بعض الأعمال الفنية البسيطة مشرقة الوجه في ذلك الوقت، مثل النقوش الصخرية كما هي أودية “العلا” ونقوش منطقة “الحمئة” في (السويداء) في سوريا وبعض اللوحات الجدارية في بعض المناطق رغم قلتها، وغير كاملة لكي تشكل صورة كاملة عن الفن التشكيلي في الفترة السابقة للإسلام.
خلاصة القول في العصر السابق للإسلام كان هناك نوع من الفن التشكيلي، وإن لم يكن واسع النطاق أو منظماً إذ أنه كان جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية، وكان يستخدم للتعبير عن القيم والأفكار، وكان هناك نوع بسيط من النقد الفني، وإن لم يكن منظماً كما هو الحال في العصور اللاحقة.