برادوست ميتاني
عندما نعود إلى التاريخ نستخدم المصطلحات الإدارية كما كانت حيث أن معظم منطقة جرابلس الحالية كانت تابعة لإمارة كلس وعرفت بها، وكذلك -منطقة عفرين التي كانت تعرف غالباً بـ “جبل الأكراد”.
إمارة كلس وأحياناً كلس وإعزاز معاً أو كليس في الثقافة الكردية، هي منطقة عاش فيها الكرد كغيرها من مناطق كردستان عبر التاريخ القديم -وقد تناولنا ذلك سابقاً -ولم ينقطع الكرد منها خلال العصور الوسطى والحديثة وقد أصبحت إمارة أيوبية كردية مع حلب، وتحديداً منطقة عفرين ونواحي حارم وشمالي سهل همك (العمق بعد التعريب) ممتدة إلى جرابلس شمالاً وكذلك جبل الأكراد.
كلس في ظل الكرد بين الإمارة وإلغائها
ألحقت كلس بعد الجانبولاتيين في البداية بحلب، وألغيت الإمارة وتحولت إلى سنجق ثم قائمقامية، ولكن ظلت إدارة منطقة كلس في أغلب الفترات بيد الكرد؛ لإرضاء الأهالي الذين كان أغلبهم كرداً، قبل أن تقسم وتسمى بالأجزاء الملحقة بهم حالياً، فسلمت حكومة أستانا ولاية كلس عام 1620م إلى كردي من عشيرة بروارا من الفرع الروباري الذين كانوا في مناطق الروبار من عفرين والقسم الشمالي من جبل ليلون.
وفي عام 1740م استلم حكم إمارة كلس بطال آغا أمير الكنجيين وكانت قلعة باسوطا من المواقع الاستراتيجية لهم، ولهم علاقات وثيقة وجيدة مع الإزداهيين (الإيزيديون) في منطقة جبل الكرد ولكن العثمانيين بحيلة وغدر منهم اغتالوه مع حارسه وعلي شندي في حلب شمال القلعة (1).
يقول في حكم العائلة البروارية أيضاً اللغوي والمستشرق الفرنسي المهتم بالثقافة الكردية أ. روجير لسكو: بعد مقتل أمير كلس علي باشا جانبولات أرسلت أستانا عام 1620 كرديا من عشيرة بروارا؛ لتولي الحكم في كلس، ثم انتقل الحكم من بعده الى أولاده وكان حكمها يمتد من كلس ليشمل منطقة جبل الكرد وقد سكنوا قلعة باسوطا، ونجحوا بالاستقلال في تلك المنطقة جميعها بما فيها عفرين طوال مائة عام، وفي عام 1724م وصل علي آغا آشك (عاشق) إلى حكم كلس بالوكالة لمدة سنتين، ولكن الأهالي ثاروا عليه فاستعان بقوات من حلب، وقتل بعض قادتها من أمثال عابدين آغا، وأوربارلي أوغلو إسماعيل آغا. (2).
في عام 1747م جعل العثمانيون كلس وإعزاز سنجقاً واحداً ووضعوا عليه عبد الرحمن باشا الأشقر، الذي عرف ببطشه، فثار الأهالي من الكرد، ومعهم قوميات أخرى منهم التركمان في مناطق حارم والروج، ودركوش فقمعهم السلطان.
في 1801م استلم حكم كلس مصطفى بك توبال أوغلو، ولكن لظلمه قتله الناس، فاستلم أومر آغا آل عمو، ولكن شخصاً آخر تمكن من السيطرة على الإمارة، وهو إسماعيل آغا (آغا معجون). أما أومر آغا، فقد حرض الكرد والشعب وحركهم وهاجم كلس وحاصرها ثلاثة أشهر دون أن يفلح في اقتحامها والسيطرة عليها(3).
تتالى الكرد على إمارة كلس ففي عام 1752م كان الوالي عبد الرحمن باشا الأشقر، وفي عام 1780 محمد آغا الكردي وفي 1787م محمد باشا الدابان أوغلو، و1801م أومر آغا آل عمو وفي 1810 فضلي آغا(4).
لسياسة العثمانيين القائمة على فرض الجندية والإتاوات بالإضافة إلى بعض الولاة المتسلطين، فإن المنطقة كانت تعيش حالات عديدة، ومستمرة من التمردات والثورات بالإضافة إلى عدم انسجام الكرد في خصوصيتهم مع إجراءات السلطنة العثمانية الغريبة عن ديارهم، وخاصة بعد أن استفحلت ثورة الكرد النازلين من جبلهم جبل الكرد.
انسلخت إمارة كلس عام 1751م، عن ولاية حلب، وكذلك انفصلت عنها بيلان عام 1752م. وأصبحت مع قرة موت والإسكندرونة وبياس والجبال المحيطة بها وكانت حكومة مستقلة يديرها وجيه من أبناء بيلان (5)، ولكن في عام 1880 أنهى السلطان العثماني إمارة كلس إدارياً، وربطها بولاية حلب، وجرت في عام 1864م في الشمال السوري تمردات في وجه الدولة العثمانية منها في جبل الكرد وبطلها خليل آغا وفي جبل قازان بطلها يوسف آغا(6).
لم تنته حوادث جبل الكرد التابعة حينها لإمارة كلس إلا في عام 1865م بعد أن أعدم خليل آغا شنقاً، ويوسف آغا وقطع رأسهما وأرسلا إلى أستانا؛ سببت تلك القلاقل أزمة شديدة في حلب وزادت في حالة اضطراب ظلم الضابطية؛ فخافهم الكرد فانسحبوا إلى جبالهم العصية، وانقطعت المواصلات بين أرياف حلب لأن الضابطية صادروا 300 دابة من دواب الأهالي. وقد ظل الطريق بين حلب وإسكندرونة مهددة بالأخطار والسطو على القوافل والتجار حتى أوائل القرن العشرين (7).
الكرد في الشمال السوري وإبراهيم باشا بن محمد علي باشا المصري
عندما جاء إبراهيم باشا بن محمد علي باشا والي مصر بحملته إلى سوريا، والذي نجح بإلحاق هزائم كبرى بالجيش العثماني هزيمة تلو هزيمة بدءًا من دمشق، وحماة، وحمص، وصل إلى مدينة كلس ودخلها. فكان الحكم في كلس بيد آل عمو كنج، وكان بطال آغا الثاني قد جمع حوله الكرد وخاصة الإيزيديون وموسعا سلطته على منطقة واسعة تمتد حتى أطراف حلب وأمسك بزمام الحكم والأمور.
جعل الوالي العثماني مقره في إنطاكيا ولكي يترقب تحركات الكرد المنتفضة على الدولة العثمانية كان ينتقل بين إنطاكيا وحلب وعكا ودمشق، حيث قيام انتفاضات في قلاع جبل اللكام وقلعة باسوطا وكلس وغيرها، وقد حدثت عام 1834م قلاقل في حلب وبيروت وإنطاكيا فعمل إبراهيم باشا علي على قبض كل من يقع في يد جنده لسوقهم إلى الجندية ففر الأهالي (9).
حدث خلاف بين بطال آغا الثاني وإبراهيم باشا -على عكس والده محمد علي باشا الذي كان يسعى إلى تحسين علاقاته مع الكرد؛ فحول مناطق نفوذه وصلاحيات بطال آغا الثاني، فأرسل إبراهيم باشا إليه للمجيء إلى حلب لإجراء مفاوضات حول تلك الصلاحيات، واعتقله إبراهيم باشا وأعدمه مع ولده إيبش وحامل سلاحه علي شندي، الذي هو من قرية معراتا، وذلك في الأربعينات من القرن التاسع عشر.
بالقضاء على بطال آغا كنج تمكن إبراهيم باشا من القضاء على حكم الكرد في سهل جوما، وذلك حتى قدوم دور حج أومر وأولاده (10).
كلس في ظل عائلة حج أومر الكردية
في عام 1742 م كان حج أومر زعيم عشيرة رشوان مقيما في قرية قوجانلي التابعة لمدينة كلس، وقد نال لقب بك وزعيم بكوية جبل الأكراد وقد خلفه بعد وفاته ابنه حج محمد آغا الذي خلفه ابنه ولي آغا فصار صاحب نفوذ وقوة وثار في وجه حاكم كلس الذي أرسل ضده قوة عام 1832م، ففشلت في القضاء عليه مما زاد ذلك من صيته، وإصرار الحكومة في القضاء عليه مرارا وتكرارا، ما أدى إلى عدم تمكن ولي آغا من الاستمرار في المواجهة ففي النهاية توارى عن الأنظار، ولكن الحكومة أعفت عنه فدخل في خدمتها مخلصاً فكافأته بحكم كلس ذاتها برز خلالها منجزاً وإدارياً حتى وفاته في 1853م.
بعد وفاة ولي آغا خلفه ابنه خليل آغا في زعامة العشيرة وفرض هيمنته على المنطقة، بعد تأسيس قائمقامية كلس 1854م عين عليها العثمانيون حبيب باشا قائمقاماً، ولكن بسبب عدم نجاحه في أداء واجبه لقوة سطوة خليل آغا في وجهه. لذا؛ حدث خلاف بينهما؛ فتمرد خليل آغا على الدولة؛ فأرسلت الدولة جيشا ضده ولكنه استسلم ونفي الى أدرنة، ولما تمكن من الهرب والعودة إلى مناطق نفوذه في منطقة جبل الأكراد ،حاربته الحكومة من جديد واضطر الى الاستسلام من جديد فأعفي عنه ونفي إلى قوزان التابعة لمدينة الصلاحية، فتوفي بداء كوليرا سنة 1866 وثمة من يقول إن الدولة العثمانية غدرت به فكان ذلك نهاية دور آل حج أومر في حكم كلس وجبل الأكراد ليظهر دور الكرد بصيغة الاقطاعيين والعشائر منها عائلات آل شيخ وآل سيدو ميمي، وآل عمو وآل غباري وآل كنج و…. وغيرهم التي ظلت صاحبة النفوذ في مناطقها الكردية حتى مجيء الفرنسيين عام 1918م (11).
المراجع:
1- كتاب جبل الكرد ـ عفرين عبر العصور -ص129 أ. مروان بركات
2-3ـ الوجود الكردي في سوريا: منطقة جبل الأكراد (عفرين) -د.محمد علي عبدو
4-5ـ 6ـ 7ـ 8 كتاب جبل الكرد –عفرين عبر العصور -ص130
9- كتاب جبل الكرد –عفرين عبر العصور -ص129 أ. مروان بركات- ص 130-
10-الوجود الكردي في شمال سوريا: منطقة جبل الأكراد21-9-2018-ويكيبيديا com. Historyofkurdish
11-الوجود الكردي في سوريا: منطقة جبل الأكراد (عفرين) -د.محمد علي عبدو_ص27و26.
