القصص الحية التي نقلتها النساء اللواتي اخترن العمل على الرصيف لتأمين قوت عائلاتهن، تؤكد على التحديات الكبرى التي يواجهنها يومياً، لتوفير لقمة العيش لعائلاتهن. اختارت النساء قارعة الرصيف مكاناً يسترزقن منه لتوفير القوت اليومي لعائلتهن، متحديات منذ أكثر من عقدين ظروف العمل القاسية.
تحديات يومية
وتعدّ النساء اللاتي يعملن على الرصيف في الأسواق من أبرز الفئات التي تواجه تحديات يومية صعبة، حيث يتصدين لواقعٍ معيشي قاسٍ، يتطلب منهن العمل الجاد والمستمر لتوفير لقمة العيش، وفي محافظة القصرين بتونس، غالباً ما تختار هؤلاء النساء، ذلك المكان إما عن اضطرار أو لأنهن لا يملكن خياراً آخر.
وتختار النساء الرصيف لبيع بعض الخضروات أو الأعشاب التي يزرعنها بأنفسهن، لتأمين حاجات أسرهن، ويكتظ الرصيف ببائعين وبائعات الخضرة مما يؤدي إلى ازدحام على الرصيف، ويصبحن عرضة للمضايقات من شرطة البلدية.
“زكية نصري” إحدى النساء الكادحات تخرج من منزلها في الرابعة صباحاً لتصل السوق الساعة الخامسة، وتفرش بضاعتها على الرصيف بنشاط من أجل الحصول في آخر اليوم على مبلغ مالي يفي بمتطلبات الحياة الضرورية رغم ما تتعرض له من مضايقات.
حيث قالت: “ظروف العمل في هذا المكان صعبة، نحن نضع بضاعتنا على الرصيف ولا نجد راحتنا في هذا المكان، بسبب ما نتعرض له من سوء معاملة، أبيع بعض الخضروات التي أزرعها في حديقتي أو في الجبل”، مشيرةً، إلى أن أغلب النساء اللاتي أجبرن العمل على الرصيف وضعهن الاجتماعي هش.
وأوضحت: “لدي عائلة مكونة من خمسة أفراد، منهم شخص مريض، وأنا الوحيدة التي تتحمل مسؤوليتهم وتوفر قوتهم، صحتي متعبة، لأنني أقف لساعات طويلة”، ورغم متاعب العمل تحت حر الشمس إلا أنها تحصل على ما يسد الحاجات الضرورية فقط “نحن لا نشتري اللحم الأحمر ولا نشتري السمك”.
وبصوت حزين قالت زكية: “نتزاحم في هذا المكان لأنه ضيق، وكل واحدة تريد أن تفرش بضاعتها وتبيعها، أحياناً نضطر إلى الوقوف لساعات طويلة تحت المطر في الشتاء وفي الصيف تحت أشعة الشمس الحارقة، على حافة الرصيف”.
والأمر مشابه بالنسبة لـ “مبروكة حمدي” التي تعمل في هذا المكان وحدها ولا تجد من يساعدها على تحمل مسؤولية عائلتها، والتي قالت بدورها: “تعبت من هذا العمل، لكن الظروف تجبرني على ذلك، لأنني لا أملك أجراً ثابتاً، وأحتاج إلى المال، لأنني مريضة وأحتاج للعلاج شهرياً”.
وتعمل “مبروكة” منذ 14 عاماً على الرصيف، فضلاً عن عملها في أماكن أخرى: “أمضيت أكثر من 40 سنة في هذه التجارة، أشتري الخضار من بعض الفلاحين وأبيعها هنا”.
وتطرقت، إلى الظروف الصعبة التي تواجهها البائعات أثناء عملهن: “ظروف العمل في الشتاء صعبة لأننا نتعرض للبرد، وعكست تلك الظروف على صحتي وحالياً أعاني من آلام في المفاصل أتلقى العلاج ولكنه مكلف”.
ومن جانبها، أكدت “مفيدة خضراوي” التي تشتري الخضار من فلاحين في مدن أخرى كفوسانة، ونابل، وتبيع كسابقاتها على الرصيف، إن العمل في هذه التجارة لا يكسب الكثير من المال، وخاصة للنساء اللواتي يعملن على الرصيف لأنهن يبعن فقط القليل من الخضار، إلا أنها تضطر لتحمل جميع المصاعب من أجل تربية أولادها تعمل في بيع الخضرة منذ 32 عاماً.
أما “كاملة يحياوي” التي تبيع بعض الخضار مثل الفلفل والطماطم وبعض الأشياء التي تصنعها في البيت مثل الخبز، أوضحت، أن ظروف النساء اللواتي قررن العمل على الرصيف، سواء كان بيع الخضار أو الأعشاب، صعبة جداً وأن وضعهن أسوأ بكثير من الرجال، لأنهن مضطرات للعمل خارج المنزل، وعندما يعدن إلى المنزل يواصلن العمل في الطبخ والغسيل وتربية الصغار: “المرأة هنا تعاني لأنها وحدها تتحمل مسؤولية المنزل والعائلة، لأن أغلب الرجال في هذه المنطقة لا يعملون”.
فجميع البائعات يشتركن في مشكلة تعيق عملهن، وهي اعتراض البلدية على فرش البضاعة على الأرصفة وأحياناً يتعرضن للإذلال والطرد ومصادرة بضائعهن، حيث أشارت كاملة إلى إحدى المواقف التي تعرضت لها من شرطة البلدية: “البلدية دائماً تعارضنا وتطلب منا مغادرة هذا المكان، وقد وصل الأمر ذات مرة أن أخذ رجال الشرطة والبلدية بضاعتي وحرموني منها، وقد أمضيت يوماً كاملاً في البلدية أطلب منهم أن يعيدوا لي بضاعتي، فضلاً عن طردنا في الكثير من الأحيان”.
وأمضت “كاملة يحياوي” عقدين من عمرها وهي تعمل في المكان: “أعمل هنا منذ 25 سنة ومن خلال عملي البسيط أوفر قوت صغاري وأدفع فواتير الكهرباء والغاز والماء، وإذا توقف عملي، لا أعرف ماذا أفعل ومن أين آتي بالمال لتوفير قوت صغاري”.
وكالة أنباء المرأة