في خطوةٍ قد تُعيد رسم خارطة العلاقات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، سمحت دول الاتحاد الأوروبي، يوم الثلاثاء المصادف 20 أيار الجاري، برفع كافة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا منذ بدء الأزمة عام 2011. ويأتي القرار في إطار محاولة دعم تعافي دمشق، بعد صراع دام أربعة عشر عاماً وسقوط نظام الأسد، ويُستهدف الرئيس القديم لحكومة دمشق بشكلٍ رئيسي.
وفي تحليل دقيق لتفصيلات العقوبات، أوضح الباحث الحقوقي “المعتصم الكيلاني” إن العقوبات الأوروبية على سوريا تنقسم إلى ثلاث فئات رئيسية.
الفئة الأولى تستهدف 324 شخصاً من دوائر النظام السابق، حيث ستظل هذه العقوبات قائمة ضدهم؛ في حين تحافظ الفئة الثانية على قيودها بشأن 84 جهة من الشركات والمؤسسات التي أيدت النظام وانتهكت حقوق الإنسان.
أما الفئة الثالثة، فهي الأهم في سياق القرار، إذ تتعلق بالعقوبات الاقتصادية المباشرة، والتي تُمثّل العقبة الرئيسية في استعادة سوريا لمكانتها على الساحة الدولية.
بناءً عليه، أصبح بإمكان الاتحاد رفع حظر استيراد النفط السوري، وتفعيل التعاملات مع المصرف التجاري والمصرف المركزي السوري، فضلاً عن فتح باب تصدير الأدوات التكنولوجية والاستثمارات الأوروبية في قطاعات الغاز والطاقة والبنى التحتية. كما شملت الخطوة رفع الحظر عن استخدام الطائرات السوريّة للأراضي الأوروبية، مما سيعيد تشغيل الرحلات الجوية المباشرة ويتيح تبادل الشحنات البرية والبحرية بين الجانبين، في حين يبقى الحظر على تصدير السلاح والمواد مزدوجة الاستخدام قائماً.
وأكدت الآراء المتعددة أن الخطوة لن تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب؛ بل ستشكل أيضاً نقلة نوعية في الوضع الدبلوماسي والأمني لسوريا.
فقد يُحدث رفع العقوبات تحولاً يساعد على تحسين صورة دمشق في المحافل الدولية، وسيدعم تبادل التمثيل الدبلوماسي مع دول كانت متحفظة سابقاً على التعامل معها، ليس فقط من أجل إعادة بناء الاقتصاد الوطني، بل أيضاً لترسيخ استقرار أمني داخلي يُسهم في حصر السلاح تحت سيطرة الحكومة السوريّة.
وفي تصريحٍ يحمل طابع التحذير والتفاؤل معاً، بيّن الخبير الاقتصادي الدكتور “مجدي الجاموس” إن هذه الخطوة تأتي تزامناً مع توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحث الدول الأوروبية على تخفيف القيود التجارية والقانونية المفروضة على سوريا، مما يفتح آفاقاً واسعة للنهوض بالاقتصاد الوطني.
وأضاف: “رفع العقوبات سيُعيد لسوريا مكانتها في المنظومة الدولية، لكن هذا التحول لن يكون محرراً إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جادة لضمان حماية كافة مكونات الشعب وتبني مسار ديمقراطي حقيقي”.
كما أشار الجاموس إلى أن العقوبات السابقة أدت إلى تجميد أصول المصرف المركزي وحسابات كبار المسؤولين، إلى جانب حجز حوالي 500 مليون دولار في سويسرا.
ومن ناحية أخرى، يُبرز المحللون أن رفع العقوبات سيفتح آفاقاً جديدة للبنوك الأوروبية لفتح فروعٍ داخل سوريا، مما قد يُنشّط التجارة والاستيراد والتصدير بين الجانبين