د. فاطمة مصطفى عبد الرحمن
المخزون المائي الجوفي، انخفاض منسوبه، ومخاطره على الزراعة، ومستقبل الأمن الغذائي: يُعدُّ الماء الجوفي من أهم مصادر المياه العذبة في العديد من دول العالم، لا سيما في المناطق القاحلة وشبه القاحلة التي تعاني من شُحّ الأمطار، ومع تزايد الضغوط السكانية والأنشطة الزراعية غير المستدامة، يشهد العالم انخفاضاً ملحوظاً في مستوى المخزون المائي الجوفي، ما يهدد مستقبل الزراعة والأمن الغذائي بشكلٍ مباشر.
أسباب انخفاض المياه الجوفية
الاستهلاك المفرط للمياه في الزراعة، وخاصةً عبر تقنيات الري التقليدية مثل الغمر؛ تغير المناخ، الذي يؤدي إلى انخفاض معدلات الأمطار وتجدد المياه الجوفية؛ حفر الآبار العشوائية، دون رقابة أو تنظيم، يؤدي إلى استنزاف الطبقات الجوفية؛ قلة التشريعات والسياسات الرادعة التي تنظم استخدام المياه الجوفية.
مخاطر انخفاض المياه الجوفية
أما مخاطر انخفاض المياه الجوفية على الزراعة فهي تتمثل بعدة نقاط أساسية: تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة قلة المياه المتاحة للري؛ زيادة ملوحة التربة بسبب انخفاض منسوب المياه وصعود المياه المالحة؛ فقدان الأراضي الزراعية وتحولها إلى أراضٍ غير منتجة؛ هجرة السكان الريفيين نتيجة فقدان مصادر رزقهم المرتبطة بالزراعة؛ زيادة أسعار المواد الغذائية نتيجة انخفاض الإنتاج.
وهنا سنعرض عدة خطط لإدارة المياه في الزراعة بشكلٍ مستدام ومنها:
- التحول إلى تقنيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط أو الري بالرش، والتي توفر ما يصل إلى 50% من المياه مقارنةً بالغمر.
- إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة في الري بعد معالجتها بشكلٍ آمن.
- زراعة محاصيل مقاومة للجفاف وتستهلك كميات أقل من الماء.
- استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد والذكاء الاصطناعي لرصد الاحتياجات الفعلية للنباتات وتوجيه الري بدقة.
- حصاد مياه الأمطار وتخزينها في خزانات أو سدود صغيرة لاستخدامها في الري.
- التوعية والتدريب للمزارعين على أفضل ممارسات إدارة المياه.
- سن القوانين والتشريعات التي تنظم استخراج المياه الجوفية وتعاقب على الاستخدام الجائر.
وهنا سنؤكد على ما أهمية ما تعانيه سوريا من نقصٍ حاد في المياه الجوفية، وخاصةً خلال السنوات الأخيرة نتيجة عدة عوامل أبرزها: الاستخدام الجائر للمياه في الزراعة، خاصةً باستخدام أساليب ري غير فعالة؛ الاعتماد المفرط على الآبار الجوفية بسبب ضعف البنية التحتية لشبكات المياه السطحية؛ قلة الأمطار والجفاف المتكرر نتيجة تغير المناخ؛ تراجع تجدد المياه الجوفية بسبب انخفاض تغذية الأحواض المائية من الأنهار والينابيع؛ إضافةً إلى هجمات المحتل التركي ومرتزقتها التي أدت إلى دمارٍ كبير في شبكات المياه وتوقف مشاريع الحصاد المائي.
الأحواض المائية الجوفية
وهنا سنسلط الضوء على الأحواض المائية التي تغذي المياه الجوفية في سوريا:
تحتوي سوريا على عدة أحواض مائية جوفية رئيسية، تُقسَّم عادةً حسب الهيدرولوجيا والموقع الجغرافي، ومن أهمها:
- حوض الفرات ودجلة: يُعدّ من أكبر وأهم الأحواض في سوريا. يغذي المناطق الزراعية في الرقة، دير الزور، والحسكة. يعتمد على نهر الفرات كمصدرٍ رئيسي لتغذية المياه الجوفية.
- حوض حلب الجوفي: يغذي منطقة حلب وريفها، حيث يشهد استنزافاً كبيراً بسبب الكثافة السكانية والزراعة المكثفة.
- حوض الغاب والعاصي: يغذي منطقة سهل الغاب وحماة. يعتمد على نهر العاصي وينابيع كثيرة مثل نبع الفوّار والعين الزرقاء.
- حوض دمشق والغوطة: يشمل مياه وادي بردى ونبع الفيجة. يعاني من استنزافٍ كبيرٍ بسبب الضغط السكاني والصناعي في العاصمة.
- حوض الجنوب (درعا والسويداء): يعتمد على مياه الأمطار وتغذية جوفية من مرتفعات الجولان، حيث شهد تراجعاً كبيراً في المنسوب خلال السنوات الأخيرة.
أصبحت الكثير من الآبار الجوفية في سوريا في الوضع الراهن جافة أو شبه جافة، ولقد لوحظ هبوط في منسوب المياه الجوفية في عدة مناطق بمعدلات تصل إلى أكثر من متر سنوياً في بعض الأحواض. تعمل الجهات المعنية وبعض المنظمات الدولية على مراقبة الأحواض وتقديم حلول مستدامة، لكن التحديات ما زالت كبيرة.
يمثل الحفاظ على المخزون المائي الجوفي تحدياً استراتيجياً يتطلب تضافر الجهود بين الحكومات والمزارعين والباحثين، فمستقبل الزراعة والأمن الغذائي مرهون بقدرتنا على استخدام المياه بذكاء واستدامة، ومن دون تحرك عاجل ومخطط، فإننا نخاطر بخسارة أهم مواردنا الطبيعية التي تقوم عليها الحياة.