الحسكة/ محمد حمود – أكد مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، أن إعلان حزب العمال الكردستاني، مرحلة إنهاء الكفاح المسلح نقطة تحول تاريخية في مسار السلام بتركيا والشرق الأوسط، وأشار، إلى أن الخطوة فرصة حقيقية لبناء وطن مشترك يقوم على الديمقراطية والمواطنة المتساوية، وأوضح، الدولة التركية اليوم أمام مسؤولية كبيرة في القيام بما هو مطلوب للوصول إلى عملية سلام شاملة.
قرارات الحزب ومسؤولية تركيا
بخصوص ذلك، تحدث لصحيفتنا: “القرارات التي صدرت عن المؤتمر الثاني عشر، لحزب العمال الكردستاني، يضع الحكومة التركية أمام مسؤولية تاريخية، لتنفيذ الخطوات المتفق عليها، بما يشمل تحسين أوضاع القائد عبد الله أوجلان، ورفاقه، وإطلاق سراحه مع بقية المعتقلين، والشروع في إصلاحات دستورية جذرية، هذه الخطوة تأتي في سياق تحولات إقليمية عميقة؛ ما يجعلها فرصة غير مسبوقة، لبناء وطن مشترك يقوم على المواطنة المتساوية”.
وشدد: “الكرة الآن في ملعب البرلمان والحكومة التركية، لأن حزب العمال الكردستاني، أوفى بتعهداته السابقة التي أعلنها القائد عبد الله أوجلان، وقيادة الحزب، ومن المعلوم أن الحزب عقد مؤتمراً تاريخياً، بين الخامس والسابع من شهر أيار 2025، أسفر عن قرار حل الحزب، وبدء مرحلة نضالية جديدة تركز على الحلول السياسية بدلاً من الكفاح المسلح”.
وأضاف: “لقد أظهر الحزب التزاماً تاريخيا بكل ما أعلن عنه من قبل قادته، وهذا يضع الحكومة التركية أمام اختبار حقيقي، وعلى الحكومة التركية اتخاذ خطوات ملموسة، كإطلاق سراح القائد عبد الله أوجلان، والمعتقلين السياسيين، والبدء في تعديلات دستورية تعترف بالهوية الكردية”.
وأكد: أن “تركيا لا يمكن أن تدعي الديمقراطية، ما دامت تنكر وجود الكرد، والمادة 66 من الدستور تصف كل من يعيش في تركيا بالتركي، وهذا غير مقبول، فلا يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية دون الاعتراف بتركيا وطناً مشتركاً للكرد، والأتراك، والشعوب، والقوميات، والأديان”.
واستعرض، السياق التاريخي للصراع: “تركيا أنكرت وجود الكرد منذ توقيع معاهدة لوزان، عام 1923، التي تجاهلت الحقوق الثقافية والسياسية للكرد، وهذا الإنكار تجلى في قوانين منعت التحدث باللغة الكردية، حتى في الأماكن العامة، وأدت إلى سجن الآلاف من الناشطين الكرد، ومسألة الكفاح المسلح الذي بدأه حزب العمال الكردستاني، عام 1984، كان رداً على القمع الممنهج”.
وأوضح: “الصراع كلف تركيا ثمناً باهظاً، حيث أقر رئيس البرلمان التركي، نعمان قرطلموش، بأن البلاد أنفقت تريليوني دولار منذ عام 1984 على الحرب، هذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم في تحسين البنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية، لكنها ذهبت لتمويل عمليات عسكرية طويلة الأمد”.
خسائر بشرية ومادية جسيمة
ونوه: “أول اعتراف بوجود الكرد، جاء عام 1991، عندما أقر رئيس الوزراء السابق، سليمان ديميريل، بحقيقة وجودهم، وهو ما شكل نقطة تحول رمزية في السياسة التركية، الصراع الذي قادته الحكومات التركية المتعاقبة، لم يقتصر على الخسائر المادية، بل شمل تدمير آلاف القرى الكردية، وتهجير الملايين؛ ما خلق جرحاً اجتماعياً عميقاً، يتطلب جهوداً كبيرة للشفاء، إن إنكار الهوية الكردية، لم يؤدِ إلى القضاء على الروح الكردية، بل زاد إصرار الكرد للمطالبة بحقوقهم”.
وبين: “حل القضية الكردية سيحمل فوائد اقتصادية وسياسية هائلة، وإنهاء الحرب سيوفر الموارد التي كانت تُنفق على الهجمات العدوانية، مما يتيح لتركيا إعادة توجيه هذه الأموال نحو التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي، وسيجذب استثمارات أجنبية، خاصة في المناطق الكردية التي عانت من الإهمال لعقود طويلة، والجالية الكردية في أوروبا، التي تضم أكثر من مليون شخص، يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في إعادة إعمار القرى المدمرة، ودعم الاقتصاد التركي، الكرد في الشتات لديهم رأس مال مادي ومعنوي، يمكن أن يساهم في بناء تركيا جديدة”.
وأردف: أن “الاعتراف الدستوري بالكرد، سيرسخ الثقة بين الشعوب المختلفة في تركيا، مما يعزز التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي، لأن حل القضية الكردية هو المدخل لتحويل تركيا إلى دولة ديمقراطية حقيقية، والاعتراف بالهوية الكردية سيضع تركيا نموذجا للديمقراطية في المنطقة، ما يعزز مكانتها الدولية ويقلل من الحاجة إلى تقديم تنازلات لأطراف خارجية”.
فرصة كبيرة لتحقيق السلام
وتوقع، خليل، أن يمتد تأثير حل القضية الكردية إلى دول الجوار، كإيران، والعراق، وسوريا: إن “التحولات الإقليمية التي أعقبت أحداث السابع من تشرين الأول، 2023، وسقوط نظام البعث، والضربات التي تلقتها حماس وحزب الله، فتحت آفاقاً جديدة للحلول السياسية، ونجاح تركيا في حل القضية الكردية، سيرسل رسالة قوية إلى المنطقة بأن الحوار ممكن ومثمر”.
واستطرد: “تركيا، بفضل علاقاتها الوثيقة مع دمشق، وبغداد، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وأيضاً سيكون هناك استثمارات تركية في شمال وشرق سوريا، أشار إليها السفير التركي في دمشق، برهان كورول، بأنها ستساهم في إنعاش الاقتصاد التركي”.
وتابع: “كانت هناك محاولات سابقة للسلام، كإعلان وقف إطلاق النار عام 1993، بجهود الرئيس التركي السابق، تورغوت أوزال، تلك المحاولة توقفت بسبب وفاة أوزال المريبة، التي لا تزال تثير الشكوك حول دور الدولة العميقة فيها، وبعد مرور 41 عاماً من الصراع، لم تنجح تركيا في هزيمة الحزب، بل ازداد قوةً، شعبياً وسياسياً”.
وأكمل: “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، المدعوم من الكرد، حقق نجاحات انتخابية كبيرة، حيث حصل على 13% من الأصوات عام 2015، وأكثر من 80 مقعداً برلمانياً، هذا النجاح يعكس القاعدة الشعبية المتزايدة للكرد؛ ما يجعل الحل السياسي الخيار الأمثل، والظروف الحالية، تجعل هذه الأوقات مثالية للتوصل إلى حل دائم”.
واختتم، نواف خليل، حديثه، بدعوة البرلمان التركي إلى إجراء تغييرات دستورية تتماشى مع المرحلة الجديدة: “الاعتراف الدستوري بالكرد، هو المدخل لديمقراطية المنطقة، وسيؤثر إيجاباً على سوريا، والعراق، وإيران، ومن هنا على تركيا تتبنى عقلية جديدة، تقوم على الحوار والبحث عن صيغة وطن مشترك، يضمن المواطنة المتساوية، وهذه فرصة تاريخية لبناء تركيا ديمقراطية نموذجاً للشرق الأوسط”.