حنان عثمان
في ظل مرحلة تاريخية مفصلية، تتسارع فيها التحولات الجيوسياسية، وتتصاعد التهديدات التي تمس حياة المجتمعات، وفي مقدمتها النساء، يأتي مؤتمر (التحالف النسائي الديمقراطي الإقليمي/ تحالف ندى” الأول بعد التأسيس، صرخة موحدة وموقف مقاومة صارمة في وجه حرب عالمية ثالثة، تتجلى بوجه جديد – حروب بالوكالة، وعنف ممنهج، أنظمة قمعية، وانهيار للحقوق الأساسية.
انعقاد المؤتمر في منتصف شهر أيار الجاري، شكّل منصة نادرة وجريئة جمعت نساء من خلفيات ثقافية ودينية وسياسية متعددة، من مختلف بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في لحظة تستدعي توحيد الجهود، وتجاوز الانقسامات القُطرية والمجتمعية. لقد شكّل المؤتمر فرصة استراتيجية لطرح القضايا الكبرى التي تواجه النساء في المنطقة، من السياسات التمييزية، إلى الحروب، وانعدام التمثيل السياسي، وصولاً إلى التحديات المرتبطة بسيادة أنظمة ذكورية تكرّس العنف البنيوي ضد المرأة.
تكمن أهمية هذا المؤتمر في لأنه لم يكتفِ برصد المشكلات أو تقديم سرديات للألم، بل تجاوز ذلك إلى طرح سبل عملية للمقاومة والتنظيم، من خلال ورشات عمل وجلسات حوار ثرية، أبرزت تجارب النساء في التنظيم الذاتي والنضال الجماعي. كما شدّد المؤتمر على ضرورة خلق شبكة تضامن إقليمية تمكّن النساء من تبادل الخبرات، ودعم نضالات بعضهن في مواجهة الأنظمة القمعية.
الحضور اللافت لفكر القائد عبد الله أوجلان، لا سيما فلسفة “Jin – Jiyan – Azadî” (المرأة – الحياة – الحرية)، أضفى بعداً فكرياً عميقاً على مجريات المؤتمر. لقد شكّلت هذه الفلسفة مرجعية مشتركة للعديد من النساء المشاركات، لما تحمله من رؤية تحررية ترى في تحرر المرأة مفتاحاً لتحرر المجتمع بأسره، وتعيد الاعتبار لدور المرأة القيادي في بناء نموذج اجتماعي ديمقراطي، بيئي، وأخلاقي. وفي هذا السياق، أكدت الحاضرات دعمهنّ لمبادرة السلام التي طرحها القائد عبد الله أوجلان، لأنها امتداد عملي لفلسفته في الحرية والعدالة.
ففي مواجهة الخراب السياسي والحروب المستعرة، تمثّل مبادرات وشبكات مثل “تحالف ندى” ومؤتمراته محطات محورية لإعادة بناء مشروع نسوي تحرري أممي عابر للحدود. إنها دعوة صريحة لتوحيد النضال النسوي في المنطقة على قاعدة المقاومة المشتركة، والتعلّم المتبادل، وتبني فكر تحرري جذري يضع المرأة في قلب عملية التغيير.
لقد أثبت المؤتمر أن توحيد النساء ليس أمنية مثالية، إنما خيار سياسي واستراتيجي، بل وضرورة حتمية في هذه اللحظة التاريخية. فحين تجتمع النساء من مختلف الدول والمعتقدات تحت مظلة واحدة، يلوح أفق جديد: أفق الحرية والتغيير الحقيقي.
واللافت في هذا المؤتمر هو تبنيه وثيقة “الكونفدرالية النسائية الديمقراطية العالمية” ووثيقة “الثورة النسائية في إقليم شمال وشرق سوريا” مرجعيتين أساسيتين يستلهم منهما، ويبني عليهما نضاله المشترك المقبل، مما يؤكد ارتكازه إلى الإرث النضالي النسائي في المنطقة وتطلعه إلى ربطه بالبعد العالمي الأممي للنضال النسائي، وهذه نقطة محسوبة لصالح “تحالف ندى” في هذه المرحلة الحرجة التي تعصف ببلدان المنطقة، وتشكل وميض أمل وسط ظلام الحروب الجنونية الدائرة على أجساد النساء.