قامشلو/ دعاء يوسف – أكدت نساء في مهرجان “نوجيان” لأفلام المرأة، أن شاشات مدينة قامشلو همست باسم المرأة، وبينّ أن كل فيلم بدا مرآة صغيرة، عكست تفاصيل حياة النساء، بأوجاعها وآلامها ومعتقداتها وحريتها.
في مدينة قامشلو، حيث تختلط رائحة التاريخ بنبض الحاضر، وُلد مهرجان “نوجيان السينمائي لأفلام المرأة”، تحت شعار “دعم وتمكين النساء في السينما” كصرخة فنية ناعمة، لكنها عميقة، تتسلل من الشاشة إلى الروح، حاملة في طياتها هموم النساء، وآمالهن، وملامح مقاومتهن، كزهرة برية تشق الصخر بحثاً عن معاناة عاشتها المرأة لتحاكيها 37 مخرجة في أفلام سينمائية مصورة منها القصير والوثائقي.
إذ تغنت قامشلو بأسبوع سينمائي حافل ببرنامج فني وأدبي، يسلط الضوء على دور المرأة السينمائية من مخرجة وكاتبة ومصورة وممثلة، كما يحفز النساء على سلك هذا الطريق لكي تتغنى السينما بأفلام جديدة، ينشئ تاريخ ومكانة المرأة من جديد.
والجدير بالذكر، أن مهرجان “نوجيان لأفلام المرأة”، تنظمه جمعية كزي للنساء المخرجات في روج آفا، برعاية سينما المرأة في روج آفا، وحركة هلال زيرين لثقافة المرأة والنساء السينمائيات في أوروبا، وبالتعاون مع هيئة الثقافة في مقاطعة الجزيرة.
الواقعية والموضوعية في الإنتاج الفني
وحمل المهرجان اسماً يحمل بين حروفه نداءً ودمعة، ليقدّم السينما لا كترف بصري، بل حاجة إنسانية للنساء كي يُعدن تشكيل العالم.
وممّا أنف ذكره، يأتي المهرجان استجابة ثقافية عميقة لحاجة ملّحة، بأن تُروى قصص النساء بأصواتهن، وأن تكون الكاميرا شاهداً، وأن تتحول الشاشة إلى مرآة تعكس الألم والفرح.
وبالرغم من الظروف التي تمر بها المنطقة، كان في التنظيم روح عشقٍ للفن، إذ إن العروض توزعت كأنها قوس قزح فكري، من أفغانستان إلى روج أفا مروراً بمدن من الشرق الأوسط والعالم، فمن ضفاف الألم إلى عتبات الأمل، اختارت اللجنة أعمالاً فيها الصدق والعمق، وأحياناً فيها شروخ تكشف هشاشة العالم حول حرية المرأة.
وبذلك لم تكن الأفلام المعروضة سرداً لأحداث اختارتها المخرجة، بل كانت شهقات مُقطّعة، وضحكات مُسترجعة من عمق الرماد، وأن بعض الأفلام كُتبت بالضوء كما تُكتب القصيدة، وبعضها كان أقرب للوثيقة التي تدون التاريخ لكيلا ينسى، لكنها جميعاً وقفت بشجاعة أمام المشاهد، عارية، نقيّة، وشاهدة.
وقد تنوعت الأفلام بين القصير والوثائقي، لكنها جميعاً التقت عند نقطة واحدة، في جعل المرأة بطلة تولد من تحت الركام لا ضحية، إذ أن كثيراً من الأفلام ابتعدت عن النمطية، وقدّمت نماذج نسوية ثرية ومعقدة، بعيداً عن التبسيط أو التقديس. بالإضافة إلى الأفلام، كانت ورشات العمل، التي أقيمت على مدار ثلاثة أيام، في مراكز متعددة، وقدمت أفكاراً تؤدي إلى سينما نسوية مسايرة للفن الواقعي الذي يعمق القيمة الأساسية للمرأة.
والقلب ينصت قبل الأذن أحياناً
امتلأت مدرجات العروض بنساء تأثرن بالأفلام، ورجال حضروا ليُصغوا، وقد كان الصمت في القاعة أكثر تعبيراً من التصفيق، وكان التفاعل بعد العروض يشبه نزهة فكرية في حدائق الذات، إذ من النادر أن ترى مهرجاناً يكون جمهوره جزءاً من سرده، لا مجرد متفرجين.
فإن الحضور في مهرجان “نوجيان” عكس واقعاً مزدوجا، لكنه غني بالنوعية، فعدد الحضور لم يكن كثيفاً بمعايير المهرجانات العالمية، وربما يُعزى ذلك إلى السياق الجغرافي والسياسي، إلا أن نوعية الحضور كانت لافتة.
فقد تميّز الجمهور بتنوعه العمري والثقافي من طالبات جامعية محبات للسينما وبنساء وفنانات وفنانين محليين، كما أن الحوارات التي دارت بعد العروض، وردود الأفعال أثناء المشاهدة، عكست مستوى الوعي الذي لا يُستهان به. كما لوحظ إقبال جيد على الجلسات الحوارية، وهو مؤشر على أن المهرجان استطاع أن يصنع علاقة حقيقية بين الفن وجمهوره، لا تكتفي بالمشاهدة بل تمتد إلى التفاعل والتساؤل.
خلق الوعي لدى الجمهور
وعلى هامش الأفلام التي عرضت؛ التقت صحيفتنا “روناهي” مع الحضور، وبدورها بيّنت صبا فاخوري: “إن ما شاهدته في هذا المهرجان يتجاوز فكرة المتعة السينمائية، فقد كانت تجربة إنسانية عميقة، وكل فيلم بدا مرآة صغيرة، عكست تفاصيل حياتنا، من صمتنا، وأحلامنا، ومن جروحنا المخفية”.
وعن الأفلام التي أثرت في صبا، فيلم “حلم” الذي يروي قصة أم تناضل من أجل ابنها الشهيد، وعلقت على الفيلم: “لقد أيقظ شيئاً في داخلي، ربما لأنه حكى عن امرأة تقف بين الانكسار والتحرر، مثل كثير من أمهاتنا اللواتي وقفن في وجه أنواع الحزن والألم، فلا توجد امرأة لم تفقد شهيداً، وفي هذا المهرجان لم نكن نشاهد فيلماً، بل نسمع أصواتاً ونرى قصصاً كنا نعتقد أنها لن تُسمع أبداً”.
أما “سيمان علي محمد“، فقد عبّرت عن انبهارها بالتجربة من منظور مختلف: “أنا دخلت القاعة متفرجة، وخرجت منها وكأن بداخلي امرأة أخرى، امرأة أكثر وعياً بقضيتها، الأفلام لم تكن تروي القصص فقط، بل كانت تفتح نوافذ على عوالم مسكوت عنها، في فيلم “عد إلى المنزل” أو “إذا كنت خائفاً”، و”ضع قلبك في فمك وابتسم”، و”بيت قرب الشمس” ففي كل مشهد كان يصرخ بحقائق قاسية عن القهر والحرية، فقد كنت أظن أن السينما مجرد ترف، لكن هذا المهرجان جعلني أؤمن أن الفن مقاومة، وأن كل كاميرا بيد امرأة هي سلاح ناعم يُحدث ثورة”.
وأضافت: “لقد كانت الأيام الستة من المهرجان احتفاء بالحقيقة حين تنطق بها امرأة وتوثقها الصورة، في ظل عالم كثيراً ما طلب منها الصمت، وقد نهضت أرواح شهيدات ورويت قصصهن، وسمعت الأصوات المنسية، ففي زمنٍ يغمره الضجيج، جاء هذا المهرجان همسة حقيقية”.