قامشلو/ آرين زاغروس ـ يعاد مشهد شنكال قبل نحو عقد من الزمن، فيما يحصل بمنطقة الساحل السوري في خطف النساء، والانتهاكات بحقهن، يحدث ذلك وسط تعتيم إعلامي، وملاحقات لمن يحاول فضح تلك الأعمال المهينة، دون تحرك دولي ومحلي للكشف عن مصير النساء المفقودات، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
يتكرّر، في الآونة الأخيرة، في قرى الساحل ومدنه، كما في ريف حمص وأحيائها وحماة، فقدان الاتصال بنساء تُراوح أعمارهن بين 18 و30 عاماً، منهن عازبات، وأخريات متزوجات، وبعضهن طالبات في الجامعات أو موظفات. ودفع ذلك ذووهنّ إلى إطلاق صرخات النجدة عبر مواقع التواصل الافتراضي، إضافة إلى تقديم الشكاوى الرسمية إلى مفارز الأمن العام الجديد، لكنها لم تشهد استجابة جدية.
إذ يحصل ذلك في ظل صمت حكومي مطبق وتعتيم إعلامي واضح، ففي الساحل السوري تتواصل عمليات اختطاف النساء منذ أحداث العنف الدامية التي شهدتها مدن وبلدات طرطوس، بانياس، وصافيتا، ومصياف في مطلع آذار 2025.
مصير مجهول
ووثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” اختطاف أكثر من خمسين امرأة من الشعب العلوي في ظروف غامضة، في سلسلة حوادث متفرقة التي تركزت بشكل خاص في مدن الساحل السوري، وأكد المرصد أن هذه الحالات تتخذ طابعاً ممنهجاً؛ ما أثار مخاوف واسعة في ظل تصاعد وتيرة العنف وتنامي الجريمة وظاهرة الإفلات من العقاب.
وحسب توثيقات “المرصد”، فإن عمليات الاختطاف وقعت في ظروف مختلفة، إذ فُقدت بعض النساء داخل منازلهن خلال أعمال عنف شهدها شهر آذار، على يد مجموعات متطرفة، فيما اختطفت أخريات أثناء تنقلهن اليومي أو خلال ذهابهن إلى أعمالهن، دون معرفة الجهات التي تقف وراء تلك العمليات؛ ما زاد حالة الهلع التي تسود مناطق وقرى الساحل السوري.
وتواصل صفحات التواصل الافتراضي يومياً، نشر بلاغات عن اختفاء نساء من الشعب العلوي، حيث يناشد ذووهن للحصول على أي معلومة قد تساعد في العثور عليهن، كما تتداول تلك الصفحات محادثات توثق ابتزاز الخاطفين لعائلات الضحايا، باستخدام أساليب قاسية كالضرب والإهانة، بهدف الحصول على فدية مالية، وسط غياب أي رادع أو استجابة فاعلة من الجهات الرسمية.
وفي تقرير نشره موقع “الميادين”، تم تسجيل خمس حالات اختطاف لفتيات في مدينة طرطوس خلال الشهر الماضي، إضافة إلى اختطاف فتاتين في قرية “بيت الشنتة”، وامرأة من منطقة “صافيتا”، دون أن تسفر هذه الحوادث عن أي تحرك حكومي جاد، رغم أن الشهادات تشير إلى أن الخاطفين غالباً ما يرتدون زياً أمنياً وينتمون إلى مجموعات متطرفة، بعضها يضم مسلحين من جنسيات أجنبية. وقد تم توثيق أسماء بعض المخطوفات، منهن: “بتول عارف حسن من صافيتا، هديل يعقوب خليل من الهيشة، الفتاتان لبنى ولانا محمود، رنيم غازي زريفة من مصياف، وبشرى مفرج من قرية القلايع”.
ويثير الرعب بشكل خاص تحرك هذه المجموعات أحياناً بلباس أمني، ما يزرع المزيد من الخوف والارتباك بين السكان، ومن أبرز هذه الحالات، قصة الشابة “آية طلال قاسم”، التي وثق أهلها أيام اختطافها، ومكالمة الخاطفين معها، قبل أن تعود لاحقاً وهي تعاني من آثار نفسية وجسدية مروعة.
أوجه تشابه مؤلمة مع مأساة الإيزيديات
ما يحدث اليوم في الساحل السوري، يعيد إلى الأذهان مأساة النساء الإيزيديات خلال اجتياح مرتزقة داعش شنكال في العراق عام 2014، حين تم اختطاف آلاف النساء وبيعهن في “أسواق السبايا”. كلا الحالتين تتسمان بالعنف الطائفي الموجه، وصمت السلطات، والإفلات التام من العقاب.
هذا وبقي مصير العديد من الفتيات الإيزيديات مجهولاً حتى اليوم، وما شهدته الإيزيديات من اختطاف وقتل وترهيب، وعودة هذا الأسلوب إلى الساحة السورية يرسم في الأذهان مستقبل مجهول لمختطفات الساحل السوري.
والجدير بالقول: إنّ الناجيات في كلتا الحالتين يواجهن العزلة، وقلّة المساندة النفسية والقانونية، وفيما تم فتح بعض الملفات الدولية بخصوص النساء الإيزيديات، فإن ضحايا الساحل لا تزال حتى اللحظة بلا حماية، بل وتتعرض بعض الأصوات الحقوقية الداعية لكشف مصيرهن للملاحقة القضائية والتهديد، بدلاً من الإنصات لندائها.
صمت رسمي وتعتيم إعلامي
كما أنف ذكره، إن المثير للقلق بأن سلطة دمشق، لم تُصدر أي موقف واضح، ولم تُحرّك آليات التحقيق في قضايا الاختفاء القسري، ولجنة تقصي الحقائق التي تشكّلت بعد مجازر آذار لم تُدن أي جهة حتى اليوم، ما يعمّق الشعور بانعدام العدالة، ويزيد من غضب السكان المحليين. كما حُظر دخول الإعلام الخارجي إلى مناطق الساحل منذ تلك الأحداث، وامتنعت وسائل الإعلام الرسمية عن نشر أي تفاصيل، وربما هذا ما يفسّر رفض العائلات الحديث عن تفاصيل اختطاف بناتهن خوفاً من الملاحقة، وذلك في خطوة تُرجمت بأنها محاولة متعمدة للتعتيم والتهميش.
فيما لاحقت الناشطات والحقوقيات اللواتي تطرقن إلى الموضوع، كالناشطة النسوية “هبة عز الدين” التي نشرت على صفحتها منشور بالتقائها بأحد المختطفات في إدلب، وقد حذفت المنشور بعد التهديد، وتعرضت لمسألة قانونية بعد أن طالبت في منشورها سلطة دمشق بالكشف عن مصير النساء الناجيات، وإطلاق سراحهن فوراً، مما يكشف بعداً من التعتيم الإعلامي والحقوقي في مصير المختطفات.
وإن قضية اختطاف النساء العلويات لم تعد شأناً محلياً فحسب، بل انتهاكاً صارخاً للاتفاقات الدولية الخاصة بحماية المدنيين في النزاعات المسلحة والصمت الداخلي، وغياب الاهتمام الخارجي، يرسخان ثقافة الإفلات من العقاب، ويفتحان الباب لمزيد من الجرائم ذات الطابع الطائفي.
وإذا لم يتم التحرك العاجل محلياً ودولياً لكشف مصير النساء المفقودات، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، فإن الساحل السوري قد يكون أمام كارثة إنسانية طويلة الأمد شبيهة بما جرى في شنكال.
