جنور زاغروس
عندما انطلقت صرخة “Jin, Jiyan, Azadî” من شوارع مهاباد وسنندج وسقز، لم تكن مجرد هتاف احتجاجي. كانت لحظة انفجار سياسي واجتماعي فريدة، فجرها استشهاد الشابة الكردية جينا أميني على يد ما تسمى بشرطة “الأخلاق” الإيرانية، هذه الثورة النسوية – القومية لم تهز فقط أركان السلطة، بل هزت السردية الرسمية للجمهورية الإسلامية الايرانية، وكشفت هشاشة منظومتها الدينية والقمعية.
الشعار الكردستاني، الذي يعني “المرأة، الحياة، الحرية”، خرج من جبال كردستان وتحول إلى أيقونة عالمية. رُفع في مظاهرات نيويورك وبرلين، ورددته برلمانيات في أوروبا والولايات المتحدة، حتى الأمم المتحدة تبنّته في جلساتها الخاصة بحقوق الإنسان. بدا وكأن هذا الشعار سيُحدث نقلة في الوعي السياسي العالمي تجاه إيران. لكن؛ كما يحدث غالبًا مع شعارات الشعوب المضطهدة، سُرقت رمزيته ووُضع على رف النسيان السياسي. القوى الغربية التي احتفت بالشعار امتنعت عن دعمه فعليًا. لا دعم للمعارضة، ولا إدانة حقيقية للجرائم، ولا ضغط على النظام. بقيت الحسابات السياسية – من الملف النووي إلى مصالح الطاقة – أقوى من المبادئ.
ورغم هذا الخذلان الدولي، لم تنطفئ نار الشعار في الداخل. جمرة “Jin, Jiyan, Azadî” ما زالت مشتعلة في صدور نساء وشباب روجهلات كردستان، من مهاباد إلى سردشت، ومن سنه إلى كرمانشاه. إنها جمرة تنتظر لحظة الاشتعال من جديد، لحظة قد تحرق العمائم لا بالرمز، بل بالفعل.
وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن مقاومة روج هلات كردستان لا تقع في فراغ، بل هي جزء من امتداد نضالي كردستاني أوسع. تجارب النضال في أرجاء كردستان الأخرى مليئة بالدروس، ومن الضروري أن تستفيد هذه الثورة من تلك التجارب، خصوصًا تجربة كوباني الفريدة، حين استطاعت مدينة صغيرة محاصرة أن تُسقط “أسطورة داعش”، ليس فقط عبر السلاح، بل عبر تنظيم شعبي واسع، قيادة نسائية قوية، ونموذج إداري بديل حرر الناس من الخوف والتبعية.
النصر في كوباني لم يكن فقط نصرًا عسكريًا، بل نصرًا لفكرة “Jin, Jiyan, Azadî” نفسها. ولذلك، فإن نقل هذه التجربة إلى مدن كردستان إيران ليس حلمًا بعيدًا، بل احتمال واقعي إن توفرت القيادة والرؤية والوحدة الميدانية.
ففي كردستان إيران، لم تعد المرأة مجرد ضحية، بل أصبحت قائدة. الشعار تحوّل إلى سلاح، إلى فلسفة ثورية تتحدى النظام الذكوري والطائفي في آنٍ معًا. هو اليوم أقوى مما كان عليه في 2022، لأنه لم يعد مجرد تعبير عن غضب، بل صار رمزًا لمواجهة بين ثقافتين: ثقافة الحياة، وثقافة القمع.
ولكي يعود هذا الشعار إلى مساره الثوري العالمي، لا بد من:
بناء جبهة موحدة بين نساء كردستان والبلوش والأهواز وطهران. تحويل التضامن الرمزي إلى حملات ضغط دولية. استثمار الشتات الكردي والإيراني في الخارج لفرض الشعار مجددًا على الرأي العام العالمي. تطوير التنظيم الذاتي والمقاومة المجتمعية، كما حدث في كوباني، لتشكيل بنية صمود داخلية لا تعتمد فقط على الخارج.
إن لم يتم دعم هذه الثورة – لا بالشعارات بل بالمواقف؛ فسيُسجَّل أن العالم ترك نساء كردستان وبلوشستان والأهواز يقاومن الموت وحدهن، رغم أنهن قدمن للبشرية أحد أبلغ شعاراتها في القرن الواحد والعشرين. “Jin Jiyan, Azadî” ليست فقط شعاراً كردياً. إنها نداءٌ عالمي للحياة… لم يُطفأ بعد.