الطبقة/ عبد المجيد بدر ـ في إحدى زوايا “ملتقى روج آفا الخامس للفن التشكيلي” في مدينة الطبقة، وقف الفنان من مدينة كوباني “محمد سمعو” إلى جانب لوحته التي تجسد امرأة شامخة في جبال قنديل. لم تكن تحمل سلاحًا، بل كتابًا بيدها، وإلى جانبها رجل يعزف على آلة بزق، كأنهما معًا يجسدان مقاومة من نوع آخر.
“هذه مقاومة جبل قنديل”، قال “سمعو” “لكنها اليوم تُكتب بالمعرفة وتُعزف بالفن”. مشهدٌ أعاد للأذهان مدينة عُرفت بمقاومتها مرتزقة “داعش” قبل عشر سنوات، لتترجم هذه المقاومة على أرض الواقع بأسلوب آخر عن طريق الفن.
“لوحتي ليست عن الحرب، بل ما بعدها”، لسان حال “محمد سمعو“، وهو يتفاعل مع زوار المعرض. أحدهم سأله مازحًا: “هل هذه المرأة تمثلك؟” فأجاب ضاحكًا: “ربما… وربما كوباني نفسها”.
ويضيف الفنان “محمد سمعو”: “كوباني قاومت بالسلاح، واليوم تقاوم بالنور. هذه الألوان تكتب تاريخًا لا تحكيه نشرات الأخبار”.
الفن سلاح للمقاومة
تحمل مشاركة كوباني في الملتقى بعدًا يتجاوز الفن، فهي فعل مقاومة ثقافية ضد التهميش ومساعي الإبادة ومحاولة لإعادة تقديم المدينة بصوت الصمود وبروح الإرادة، لا كأيقونة حرب فقط. وبذلك يمثل الفنانون المشاركون في ملتقى الفن التشكيلي من كوباني وجهًا جديدًا للمقاومة عبر ألوانهم، يؤكدون أن للمدينة حضورًا فاعلًا في المشهد الثقافي، رغم الصعوبات.
وسط لوحات تحتفي بالحياة، وتحمل بقايا الذاكرة، تبدو كوباني اليوم مدينة ترسم ملامحها بيدها. وكما قال “محمد سمعو”: “كوباني ستبقى مدينة تُرسم، لا تُطمس”.
“نحن هنا”
تستلهم “إلهام إسماعيل” الفنانة المشاركة من كوباني أيضاً من محطات النضال الكردي والسوري في شمال وشرق سوريا فكرة مشاركتها بالرسم بالملتقى، فترسم لوحة تعبر عن “مقاومة سد تشرين”، لتخلّد اللحظة التي شكلت نقطة تحوّل في دحر المرتزقة، لتقول، إن الذاكرة لا تُبنى فقط بالكلمات، بل بالألوان والرموز أيضاً.
تقول الفنانة التشكيلية “إلهام”: “نستخدم الفن لنوثّق، لنتنفس، لنقول إننا هنا. نعيد بناء المدينة في الذاكرة من جديد، لوحة بعد أخرى”.
مشاركات دورية
نُظّمت أولى نسخ الملتقى عام 2017 في كوباني نفسها، حين كانت المدينة لا تزال تداوي جراحها. واليوم، تعود للحضور من جديد في الملتقى بنسخته الخامسة، عبر مشاركات فنية تعبّر عن نضج تجربتها وعمق رؤيتها.
ورغم ضعف الموارد، يصر الفنانون على المشاركة، حاملين رسائل الأمل، ورافضين أن يتحوّلوا إلى ذكرى صامتة.
الفن يولد من الرماد
وعن مشاركة كوباني في الملتقى، يوضح الرئيس المشترك لهيئة الثقافة والفن في مقاطعة الطبقة “علي علايا“: “مشاركة كوباني تعني الكثير. إنها تثبت أن الفن يولد من الرماد، وأن المقاومة لا تنتهي بتحرير المدينة، بل تبدأ من إعادة بنائها ثقافيًا”.
ويؤكد، أن “المشهد الثقافي يحتاج إلى عدالة في الدعم والاهتمام، لتمكين الفنانين من الاستمرار والتطور”.
ويشار إلى أنه بمشاركة 31 فناناً وفنانة تشكيلية من مختلف المناطق السورية، انطلق ملتقى روج آفا الخامس للفن التشكيلي في مدينة الطبقة يوم الثالث من أيار الجاري، فيستمر على مدار ستة أيام متتالية، وذلك تحت شعار “على إيقاع ألوان سورية”.