قامشلو/ ملاك علي – امرأة من حي شعبي في مدينة قامشلو، استطاعت أن تحوّل زاوية صغيرة بجانب منزلها إلى مساحة حياة، وبضاعة متواضعة إلى مصدر رزق متجدد. “وردة حسن” لم تكن تمتلك شهادة دراسية، ولا رأس مال كبير، لكنها امتلكت ما هو أهم من ذلك، الإصرار، والإيمان بأن اليد التي تطبخ وتربّي، قادرة أيضاً على أن تبني مشروعاً وتدير عملاً ناجحاً.
في مجتمعات تعاني من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، غالباً ما تكون المرأة أول من يتحمّل أعباء التغيير، وأول من ينهض من بين الركام لتعيد ترتيب تفاصيل الحياة اليومية، في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث الظروف المعيشية لا تزال تتأرجح بين الحاجة والصبر، تبرز نماذج نسائية ملهمة تصرّ على أن تكون جزءاً من الحل، لا من المشكلة.
في أحد أحياء مدينة قامشلو الهادئة، وبين الأزقة الضيقة التي تختزن وجع الحرب وصوت الحياة اليومية، تقف “وردة حسن”، امرأة في العقد الرابع من عمرها، كأيقونة للمرأة الكادحة التي لم تستسلم لظروفها، بل واجهتها بإصرار وحلم صغير صار اليوم مصدر رزق عائلتها.
وردة، أم لطفلتين، لم تكن تملك شهادة تعليمية تؤهلها لوظيفة رسمية، لكنها كانت تملك شيئاً أهم من ذلك، وهو الإصرار على تربية أطفالها وتعليمهم، ومساندة زوجها في نفقات الحياة، لم تنتظر فرصة تأتي من الخارج، بل خلقتها بنفسها.
من فكرة بسيطة إلى واقع حي
قبل عامين ونصف، اقترحت وردة على زوجها فكرة افتتاح محل صغير بجانب منزلهم، ببيع كميات ضئيلة من الإكسسوارات وحاجيات النساء، علّها تتكفل بمصروفها اليومي، وفي لقاء خاص لصحيفتنا “روناهي“، قالت وردة: “كنت أعرف أن البداية ستكون صعبة، لكنني أردت أن أبدأ بما أستطيع عليه، حسب إمكاناتي المادية”.
اختارت موقع المحل بعناية، لكونه قريباً من منازل الأهالي وسهل الوصول إليه، خاصة لربات المنازل اللواتي يصعب عليهن الذهاب إلى الأسواق، وبمرور الوقت، بدأت تعرف حاجات الزبائن، فكانت تجلب مستلزمات خاصة بالمواسم، كزينة نوروز أو مستلزمات المدارس، لتلبي الطلب المحلي بتكاليف أقل من أسعار السوق.
لم تكن البداية مفروشة بالورود، فقد واجهت وردة الكثير من الانتقادات، وسمعت عبارات محبطة مثل: “لن ينجح مشروعك”، “هذا العمل بلا فائدة”، لكنها لم تتراجع، تقول وردة بابتسامة واثقة “كنت أعرف أنني سأواجه السخرية، لكنني قررت ألا أستسلم، العزيمة أقوى من الكلمات السلبية”. وكان لزوجها دور كبير في دعمها النفسي والمعنوي، فكان أول من آمن بها، وشجعها على المضي قدماً رغم العوائق.
الإصرار رغم الصعوبات
ترى وردة أن المرأة العاملة تشبه المقاتلة: “المرأة التي تعتمد على نفسها قوية، لأنها تعمل في المنزل وخارجه، على عكس الرجل الذي يصعب عليه الجمع بين المهمتين، طاقة المرأة أكبر، وقوتها في إرادتها”.
ورغم أن أرباح المحل ما تزال متواضعة، إلا أن وردة تطمح إلى توسيع مشروعها، بإضافة أنواع جديدة من البضائع، وتغيير موقع المحل إلى مكان أكثر حيوية، وتختم وردة حسن حديثها: “أتمنى أن يكبر مشروعي، لأوفر لبناتي مستقبلاً أفضل”.
وردة ليست مجرد بائعة في محل صغير، إنها قصة نجاح امرأة من إقليم شمال وشرق سوريا، صنعت من التحديات سلّماً للصعود، ومن زقاق صغير بداية لحياة جديدة.