قامشلو/ فريدة عمر – في انتكاسة أخرى لبوادر الحل في سوريا، عينت وزارة الدفاع السورية، المرتزق “حاتم أبو شقرا”، قائداً للفرقة “86” لقيادة مناطق دير الزور، والرقة، والحسكة، وتعتزم الحكومة الجديدة على إشراك القتلة في المناصب؛ ما أثار ردود أفعال غاضبة وخاصة من الحركات والتنظيمات النسوية التي تؤكد على أن مكان هؤلاء الأشخاص أمام المحاكم، وليس إدارة البلاد. إذن؛ على ماذا تنوي سلطة دمشق بقرارتها؟
في لحظات من المفترض أن تعيش سوريا تغييرات إيجابية، وتضمد جراح سنوات طويلة لشعوبها التي عانت الويلات، والعمل على زرع المحبة والثقة بين السوريين، أتى تعيين “أحمد إحسان فياض الهايس”، الملقب “بحاتم أبو شقرا”، من رئيس سلطة دمشق “أحمد الشرع”، قائداً للفرقة “86”، لمناطق الرقة، ودير الزور، والحسكة، الاثنين، في الخامس من أيار الجاري 2025، ضربة موجعة، وتعميق الانقسام، وإعلانا صارخا عن استمرار منطق القتل والدم، قرار يعمّق الانقسام، واستهانة بتضحيات الشعب الكردي على وجه الخصوص.
من هو حاتم أبو شقرا؟
هو “أحمد إحسان فياض الهايس”، المعروف بـ “حاتم أبو شقرا”، من مواليد بلدة الشقرا بريف دير الزور الغربي، عام 1987، ويحمل شهادة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية نالها من جامعة أرتوكلو في ماردين عام 2023.
وقد لمع اسمه بعد أن أسّس مجموعة “أحرار الشرقية” في كانون الثاني 2016، وقاده لاحقاً للاندماج ضمن “حركة التحرير والبناء” التي تضم مجموعات أخرى مثل “جيش الشرقية”، و”الفرقة 20″، و”صقور الشام – قطاع الشمال”، وهي مجتمعة تُشكّل أحد أذرع “الجيش الوطني السوري” المعارض والمدعوم من تركيا.
تسلّم أبو شقرا قيادة “حركة التحرير والبناء” خلفاً للعقيد حسين الحمادي، في كانون الثاني 2024، قبل أن يتم تكليفه بمنصب رسمي داخل الجيش الوطني، رغم إدراجه على قائمة العقوبات الأميركية منذ تموز 2021.
وحسب تقارير حقوقية، تورطه في عمليات إعدام ميدانية وتعذيب معتقلين منذ عام 2018، إلى جانب ضلوعه المباشر في ممارسات وصفتها واشنطن بأنها “انتهاكات جسيمة وممنهجة لحقوق الإنسان”، ووضعته على قائمة العقوبات.
جريمة اغتيال هفرين خلف
ومن أبرز جرائمه، مسؤوليته عن اغتيال السياسية الكردية والأمين العام لحزب سوريا المستقبل “هفرين خلف”، التي استشهدت مع سائقها في عملية إعدام ميداني على الطريق الدولي “إم-4” في تشرين الأول 2019، أثناء الهجمات التركية على مدينتي سري كانيه وكري سبي.
واعتبرت الخارجية الأميركية تلك الجريمة “خرقاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني”، كما أكدت تورط مجموعة “أحرار الشرقية” بقيادة أبو شقرا في عمليات اختطاف وتعذيب وابتزاز، ونهب ممتلكات مدنيين، ودمج عناصر سابقين في صفوف “داعش”.
وعلى الرغم من ذلك، دافعت متزعم “حركة التحرير والبناء” عن أبو شقرا، معتبرة أن إدراجه في قوائم العقوبات كان بدوافع سياسية، وكان ظهوره في “مؤتمر النصر السوري”، قد أثار موجة انتقادات واسعة في الأوساط الحقوقية والمدنية، خصوصاً في إقليم شمال وشرق سوريا، حيث اعتبرت منظمات نسوية وحقوقية أن ظهوره في دمشق وتسلّمه هو وأبو عمشة ومتزعمو مجموعات أخرى متلطخة أيديهم في دماء السوريين، مناصب رسمية داخل المؤسسة العسكرية يُمثّل “تبييضاً لصفحات سوداء من الجرائم المرتكبة بحق المدنيين”، لا سيما جريمة اغتيال الشهيدة “هفرين خلف”.
علاقته بأنقرة
يُعد حاتم أبو شقرا من أبرز المتزعمين المرتبطين بتركيا، إذ حضر اجتماعاً مع الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” عام 2018، إلى جانب متزعمي “الجيش الحر”، في أعقاب عملية احتلال عفرين، والمجموعات المرتزقة الأكثر قرباً من أنقرة.
هذا يثير تساؤلات حول إعادة مشاركة الشخصيات المسلحة ضمن مؤسسات الدولة، وتوقعات وجود تفاهمات غير معلنة بين دمشق وأنقرة، وإعادة تدخلها في الشأن السوري، مما يزيد مخاوف السوريين في إعادة سوريا إلى السابق، وخيبة آمال السوريين في عدم لمس تغييرات جدية في مستقبل بلادهم.
تعيينه قائداً للفرقة “86”
على ما يبدو، أن مشاهد القتل والعنف والطائفية، لم تنهِ مهامها في سوريا، وغير ناوية على المغادرة، فكيف ذلك، ولطالما من يديرها غارق حتى النخاع في الدماء وذهنية العنف والفتنة والكراهية.
لا يمر يوم على سوريا، ويصدم شعبه بأخبار وقرارات مفاجأة من السلطة الجديدة التي تدير المرحلة الانتقالية برئاسة “أحمد الشرع”، فهذه المرة كانت المفاجأة بتعيين المرتزق الذي لا يزال مصنفاً على رأس قائمة العقوبات الأمريكية “حاتم أبو شقرا”، بقيادة الفرقة (86)، لمناطق دير الزور، الرقة، والحسكة، من وزارة الدفاع السورية، الأمر الذي زاد مخاوف الوسط الشعبي والجهات الحقوقية والمعنية، من مصير البلاد في ظل تسلم القتلة مناصب حكومية رسمية، بدلاً من الوقوف أمام العدالة والمحاسبة.
ردود الفعل ومستقبل المرحلة الانتقالية في سوريا
تزداد الإدانات وردود الأفعال الغاضبة، حيال تعيين متزعمي المجموعات المرتزقة وتسلمهم مناصب في الحكومة الجديدة، وبشكل خاص القرار الأخير في تعيين المرتزق “حاتم أبو شقرا”، حيث أدانت القيادية والناطقة باسم وحدات حماية المرأة “روكسان محمد” عبر حسابها على منصة إكس، قرار التعيين، وأكدت بأنه “يشرعن الإفلات من العقاب ويكرس العنف ضد المرأة والشعوب الأصلية”.
في السياق ذاته، استنكر مكتب المرأة في حزب سوريا المستقبل، في بيان، قال فيه: “تعيين قاتل السياسية والأمين العام لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف، ليس مجرد تعيين عسكري، إنما طعنة في صدر الحقيقة وإهانة مباشرة لذاكرة الشهداء، ورسالة مقيتة تقول، بأن الجريمة تُكافَأ والقتلة يرفعون لا يحاكمون”.
وشددوا في بيانهم على أن هذا القرار لا يمثل السوريين، بل يمثل ثقافة الإفلات من العقاب.
تأتي هذه السياسات التي تقوم بها الحكومة الجديدة في سوريا، في وقت يحلم فيه السوريون بمستقبل أفضل وسوريا جديدة قائمة على التنوع وبعيدة عن الطائفية، وفي وقت تبادر فيه مناطق إقليم شمال وشرق سوريا وإدارتها الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية تقديم بوادر حل سلمية، قادرة على ضمان وحدة سوريا أرضاً وشعباً.