دجوار أحمد آغا
السادس من أيار، أصبح يوماً مهماً للأتراك من أجل الاستمرار في ارتكاب المجازر والأحداث في هذا اليوم. كيف لا وهو اليوم الذي قام به السفاح “جمال باشا” بإعدام كوكبة من خيرة أبناء الشعب السوري واللبناني من مثقفين وسياسيين وشعراء وكتّاب وأدباء في كل من دمشق وبيروت من أجل كسر شوكة النضال التحرري الوطني الذي كان يقوده هؤلاء الشهداء العظام ورفاقهم الذين استمروا على خطاهم إلى أن حرروا هذه الأرض المقدّسة من تحت نير الاحتلال العثماني البغيض، هذا الاحتلال الذي جثم على صدر البلاد العربية وكردستان لمدة تزيد عن 400 عام مارس خلالها كل أنواع الظلم والاضطهاد من أجل تتريك المنطقة، لكن سياساته باءت بالفشل نتيجة لمقاومة شعوب المنطقة الأصلاء أصحاب الأرض والحضارة والتاريخ المشرف في مقاومة الغزاة. في مثل هذا اليوم، السادس من أيار، ارتكبت الأنظمة التركية المتعاقبة منذ عام 1916 وإلى يومنا الراهن أبشع الجرائم بحق المثقفين والساسة والمناضلين وشعوب الشرق الأوسط، ومن هذه الجرائم مجزرة المثقفين عام 1916، وإعدام المناضل الثوري دنيز كزميش، واستهداف القائد عبد الله أوجلان.
مجازر العثمانيين وخلفائهم الأتراك
لم يفرّق العثمانيون ولا خلفائهم الأتراك بين عربي وكردي، ولا بين أرمني وسرياني، ولا بين إيزيدي، درزي، علوي، مجازر وحشية ومذابح بشعة تعرضت لها هذه الشعوب على يد العثمانيين الذين وفدوا الى المنطقة قبل حوالي 1000 عام، وقاموا بارتكاب هذه المذابح والمجازر بحق الأرمن، السريان، الكرد، العرب، وغيرهم كنوعٍ من الانتقام من هذه الشعوب الأصيلة وصاحبة الحضارة والعراقة في منطقتها بينما العثمانيون لا يمتلكون أي حضارة ولا تاريخ عريق سوى القتل والسلب والنهب وهم القادمون من صحراء “قره قوم”.
خلفاء العثمانيون، الأتراك، لم يألوا جهداً في السير على خطى آباءهم وأجدادهم نفسها من حيث ارتكاب المجازر والإبادات بحق شعوب المنطقة وخاصةً الكرد من خلال القضاء على انتفاضاتهم المتكررة بالحديد والنار مثل ثورة شيخ سعيد بيران 1925، ثورة آكري 1927 ـ 1931، ثورة ديرسم 1937 ـ 1938. هذه السياسة استمرت مع ثورة حزب العمال الكردستاني التي بدأت مع تأسيس الحزب في 27 تشرين الثاني 1978 وأطلقت الكفاح المسلح في 15 آب 1984. على الرغم من فشل الاحتلال التركي في القضاء على ثورة الشعب الكردستاني، إلا أنه مستمر في ارتكاب هذه المجازر بحق شعوب المنطقة، لأنها لم تكن بيده مباشرة فعن طريق مرتزقته وعملائه وما جرى في الساحل السوري وما يجري في السويداء ومناطق جرمانا وصحنايا خير دليل على ذلك.
6 أيار 1916 بيروت ـ دمشق
يوم أسود في تاريخ سوريا ولبنان وكل الأحرار. بعد الفشل الذريع الذي مُني به جمال باشا السفاح في مصر ضد الإنكليز، وكتغطيةٍ لهذا الفشل، قام بتوجيه الاتهام الى مجموعة من الشخصيات الوطنية العربية من النخبة المثقفة وأمر باعتقالهم ومن ثم تحولهم الى المحاكمة أمام “ديوان الحرب العرفي” في عالية الذي حكم على 11 منهم بالإعدام بأمر من جمال باشا السفاح وتم تنفيذ الحكم يوم 21 آب 1915، وهم “عبد الكريم محمود خليل، عبد القادر الخرسا، نور الدين القاضي، سليم أحمد عبد الهادي، محمود محمد عجم، مسلم عابدين، نايف تللو، صالح أسعد حيدر، علي محمد الأرمنازي، الشقيقان محمد ومحمود المحمصاني”.
لم يشفَ غليل السفاح هذا الأمر فقام بالإيعاز إلى عساكره باعتقال مجموعة من النخب المثقفة القادة وأصحاب الفكر التنويري والتحرري، حيث أمر بإعدامهم في كل من دمشق وبيروت يوم السادس من أيار عام 1916. شهداء دمشق كانوا سبعة شهداء وهم كلاً من: “رفيق رزق سلوم، عبد الحميد الزهاوي، شفيق مؤيد العظم، عمر عبد القادر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الإنجليزي، رشدي الشمعة”، تم إعدامهم شنقاً في ساحة المرجة.
بينما بلغ عدد شهداء بيروت 14 شهيداً وهم: “بترو باولي، جرجي حداد، سعيد عقل، عمر حمد، عبد الغني العريسي، عارف الشهابي، أحمد طبارة، توفيق البساط، سيف الدين الخطيب، علي النشاشيبي، محمود جلال البخاري، سليم الجزائري، أمين لطفي الحافظ”. تم إعدامهم شنقاً في ساحة البرج التي أصبح اسمها ساحة الشهداء.
6 أيار 1972 إسطنبول
لم تتوقف الفاشية التركية عن استهداف شعوب المنطقة من كرد، أرمن، سريان، آشور، عرب، فقط بل وصلت بها الأمور الى استهداف خيرة أبناء الشعب التركي نفسه، وقد اختارت التاريخ نفسه الذي أعدمت فيه المتنورين والمثقفين العرب قبل 56 عاماً، لتقوم بتنفيذ جريمة بشعة بحق خيرة أبناء شعوب تركيا. في السادس من أيار 1972 نفّذت الفاشية التركية في سجن أنقرة المركزي، عملية إعدام قادة اليسار الشبابي الثوري المناضلين: (دنيز كزميش، يوسف اصلان، حسين إينان) هؤلاء المناضلين الذين اعتبرهم القائد والمفكر الكبير عبد الله أوجلان قادة للثورة بسبب صلابة موقفهم وقوة إرادتهم الحرة، وأكّد أكثر من مرة بأنه يسير على درب أبطال الحرية أمثال ماهر جايان، دنيز كزميش، إبراهيم قايباق قايا. انطلاقاً من موقفهم الثوري الحقيقي من قضية الشعب الكردي والتي جسّدوها عبر صراخهم وهم يسيرون إلى أعواد المشانق بالقول: “تحيا وحدة الشعب التركي والكردي وتحيا مقاومتهم ضد الفاشية”، أكمل القائد هذا الموقف الثوري الحقيقي مع رفاقه الأوائل أمثال حقي قرار وكمال بير وقاموا بتأسيس حزب العمال الكردستاني.
6 أيار 1996 دمشق مرةً أخرى
مرةً أخرى تكون دمشق مكاناً لسعي الفاشية التركية لارتكاب مؤامرة بحق قائد مقاومة شعب كردستان وحركته التحررية القائد عبد الله أوجلان. وكما أعدم الأتراك الفاشست دنيز كزميش ورفاقه عام 1972 وقبلهم المتنورين العرب عام 1916، سعو هذه المرة وفي نفس اليوم أي 6 أيار من العام 1996 إلى محاولة اغتيال القائد عبد الله أوجلان، هذه المؤامرة التي تولى تخطيطها وتنفيذها جهاز الاستخبارات القومي المعروف اختصاراً بالـ MIT.
تنفيذ محاولة الاغتيال في العاصمة السورية دمشق واستهداف قائد حركة تحرر الشعب الكردي، وفي اليوم نفسه الذي تم فيه إعدام قادة عرب وأتراك، يؤكّد بأن الفاشية التركية تستهدف دوماً نضال وكفاح شعوب المنطقة من خلال قادتها.
يذكر الكاتب مراد يتكين في كتابه “الفخ الكردي” كيف حاولت الاستخبارات التركية اغتيال القائد أوجلان في دمشق حيث يقول: “كانت الخطة بسيطة تقوم على تفجير سيارة مفخخة بمتفجرات ذات قدرة عالية على التخريب، أمام أحد الأبنية التي يرتادها أوجلان في دمشق، فينهار البناء ويقتل الهدف بداخله”. العملية تمت لكنها فشلت ولم تحقق هدفها.
أهمية اختيار التاريخ
هذه الأحداث التي جرت في اليوم نفسه ليست مصادفة؛ فالمحتل التركي يختار التاريخ بعناية وقد سبق له أن مارس هذه اللعبة في الكثير من الأحداث التي جرت في المنطقة، منها تاريخ البدء بتنفيذ المؤامرة الكونية بحق القائد أوجلان أي 9 تشرين الأول 1998 وهو اليوم نفسه الذي تم فيه القضاء على الثائر الأممي الكبير ارنستو تشي غيفارا عام 1967 في بوليفيا. كما أن دولة الاحتلال التركي قامت في اليوم نفسه؛ أي 9 تشرين الأول من العام 2018 بالهجوم على مناطق سري كانيه وكري سبي “تل أبيض” تحت مسمّى عملية “نبع السلام” لكنه في حقيقة الأمر نبع الدم. وشاهد العالم أجمع كيف استخدمت القنابل الفسفورية والمواد الكيماوية المحظور استخدامها.
كما أن اختيار يوم 24 آب 2016 للبدء بما تسمى بعملية “درع الفرات” ضد مناطق جرابلس وإعزاز لم يأتي صُدفة أيضاً، ففي اليوم نفسه من العام 1516 جرت معركة “مرج دابق” بالقرب من حلب بين العثمانيين والمماليك وكانت بداية احتلال البلاد العربية، لذا فهم يختارون تواريخ هجماتهم ومؤامراتهم بعناية ودقّة.
الانتصار حتمي للشعوب
العثمانية الجديدة المتمثلة في محاولات أردوغان المستمرة والمتواصلة منذ لحظة قدومه الى سدة الحكم والى هذه اللحظة، لن تنجح ولا يمكن بأي شكل من الاشكال لإعادة إحياء العثمانية القديمة بصيغة جديدة كما يعمل عليها أردوغان والسبب الأساسي والرئيسي في ذلك، هو وعي شعوب المنطقة وامتلاكها لإرادتها الحرة منطلقة من نظرية ثورية أعلنها القائد والمفكر الكبير عبد الله أوجلان تستند الى روح المقاومة والعمل سوية ضمن نظام الإدارة الذاتية الديمقراطية.
مهما حاول أردوغان وأتباعه الاستمرار في العمل من أجل بناء العثمانية الجديدة سواء عبر احتلالها لمناطق في الشمال السوري والعمل على إحداث تغيير ديمغرافي فيها من خلال التهجير القسري لسكانها الأصليين وتوطين عوائل المرتزقة في بيوتهم، إلى جانب بناء مستوطنات وقطع الآلاف من أشجار الزيتون وتدمير البنية التحتية والتعامل بالعملة التركية وتعليم تلاميذ المدارس اللغة التركية ورفع العلم التركي فوق المؤسسات والدوائر. لكن؛ رغم كل ذلك، مقاومة الشعوب مستمرة وقد أثبتت حرب الشعب الثورية إن الانتصار حتمي للشعوب من خلال مقاومتها في سد الشهداء (تشرين سابقاً) التي استمرت أربعة أشهر وانتصرت إرادة الشعوب في مواجهة دولة الاحتلال التركي ومرتزقتها التي لم ولن تستطيع أن تتقدم ليس متراً بل شبراً واحداً في الأرض المقدسة بدماء الشهداء.