محمد العزو
تتوافق صياغة فن إسلامي، بدون أل التعريف، أو الفن الإسلامي مع الإنتاج الفني الذي يعني تحويل الأفكار الإبداعية إلى مشروعات فنية قابلة للتنفيذ بدءاً من الكتابة والتصميم وصولاً إلى الإنتاج والتنفيذ النهائي. لقد ظهر هذا الفن في العالم الإسلامي مقدماً وحدة أسلوبية تقتضي بنقل الفنانين والتجار، وذوي رأس المال والأعمال.
للفن الإسلامي أسس، حيث أسس الدين الإسلامي حضارة وفنوناً راقية، إذ كانت لأوامره ونواهيه النصيب الأجل في نشأة الفنون وتطورها لأمة قادت العالم عدة قرون، وامتد سلطانها من حوض “البنغال” وحدود “الصين” شرقاً إلى “الأندلس” غرباً، ومن “بلاد القوقاز وروسيا” شمالاً إلى أواسط “أفريقيا” جنوباً، وقد تركت تلك الحضارة بصمتها في الميادين العلمية والدينية والعمرانية. وهذا الفن يضم أربعة مكونات أساسية هي: الخط، والأنماط النباتية، والتمثيل التصويري، والأساليب الهندسية، وهذه الأخيرة النمط الهندسي هو اتساق وتآلف معلوم، ومعروف في العالم وترتيب متكرر لعنصر أو عدة عناصر معينة، في تصميم من ابتكار وصنع الإنسان، أو في الأفكار التي ليس لها شكل مادي ويُعبر عنها بالأفكار المجردة. آجلاً، تتكرر عناصر النمط بطريقة يمكن التنبؤ بها. والتنميط بشكل عام يتميز بالتكرار والتوازن والتناظر. وتستخدم الأنماط في الفن والهندسة والعمارة والديكور. لذلك فالفن الإسلامي هو أسلوب حياة أكثر وليس عرضاً للدين الإسلامي، فالفن الإسلامي يضم تنوعاً بديعاً وشخصية خاصة به تطورت مع مرور الزمن. هذا الفن له مصادره الخاصة، فقد زين الفنانون المسلمون كل ما أخرجته أيديهم من المصنوعات وما شيدوه من العمائر، هذا وقد أصبح الخط عاملاً مشتركاً في جميع فروع الفن الإسلامي، حيث أننا نجده على الخشب والعاج، والخزف، والزجاج، وحتى على الأقمشة والطنافس، والطنفس، بساط له هدب، وعلى جدر المساجد والقصور. ويتميز الفن الإسلامي بخصائص عن غيره من الفنون، ويتمثل في التنوع: والبعد عن الترف، والانصراف عن التجسيد، والتجريد، والتكرار، والإيقاع، وملء الفراغ والواقعية.
ومن أهم مظاهر الفن الإسلامي التجريد والرمزية، وهما من أهم ما يميز الفن الإسلامي، إذ أن الفنان المسلم لم يهتم بتفاصيل الأشياء، التي يصورها ويرسمها، لكنه من ناحية ثانية كان أكثر اتصالاً بجوهرها وما يشير إليه أو يرمز له، متجنباً استعمال المنظور أي البعد الثالث (برسبكتيف) والاتجاه نحو التسطيح التام؛ كي يبتعد عن فكرة تمثيل ما خلقه الله والتأكيد على أن المطلق هو الله. لذلك نجد أن الفن الإسلامي له رموز مميزه، حيث يتم استخدام الرموز الاسلامية في العمارة الإسلامية، مثل النجوم، والهلال، والزهرة، والكعبة وغيرها، وهذه الرموز تعكس قيم ومعتقدات الإسلام.
في الفن الإسلامي يتم استخدام الألوان الدافئة، مثل اللون الأحمر، والأخضر، والأصفر، والأزرق، والبرتقالي، وهذه الألوان تعكس الحيوية والدفء والهدوء في التصميم.
وهنا لا بد لنا من الإشارة وبشكل مختصر إلى أنواع الفنون الإسلامية، فكان أهمها فنا الخط والأدب، وقد ظهرت الحاجة إلى استعمال الخط العربي ومعرفة الكتابة بظهور الإسلام والحاجة إلى تدوين القرآن الكريم، ومن ثم تحول الخط إلى فن، حتى عرفت الخطوط العربية بوصفها أحد أنواع الفن الإسلامي، فكانت أول أنواع الخط العربي التي ظهرت الخط (المكي). والخط (المكي) هو الذي كان يكتبه أهل “مكة” وهو الخط الذي تعلمه أهل “المدينة المنورة” من أسرى معركة (بدر) المكيين الشهيرة، وإن كان هذا الخط معروفاً قبل ذلك في “المدينة المنورة”. ونسب هذا الخط إلى “مكة” المكرمة لأنها كانت قاعدة العرب الأولى، إذ أنه في “المدينة المنورة” كانت الكتابة أقل انتشاراً، لأنه لم يكن فيها ممن يعرفون الكتابة في صدر الإسلام أكثر من بضعة أشخاص. ويعتبر (الأرابيسك) أحد عناصر الفن الإسلامي، وأحد رموز العمارة الإسلامية الخالدة، وهو فن الزخرفة باستخدام نماذج محورة عن الطبيعة، والأشكال الهندسية المتداخلة والمعقدة. ومازال فن “الأرابيسك” يزين الجدر وأعمدة المساجد، والقصور خاصة في أيام الدولة “العثمانية”. كما أن فن “الأرابيسك” هو انعكاس لتطور علوم الرياضيات في الحضارة الإسلامية.
إن ثراء الفن الإسلامي في تنوعه سواءً من حيث التقنيات، والأشكال، أو الزمان والمكان، وهو يأخذ المهتمين به في رحلة استكشاف لتاريخ مفعم بالمبادلات والاتصالات، والتأثير والتأثر، على الدروب الممتدة من “أوروبا” إلى “أفريقيا” ومن “حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي”، ولذلك لا بد من التعرّف عن قرب على تاريخ الفن الإسلامي. هذا الفن الذي يستمد إلهامه من روحانيته الخصبة، والذي يعبر عن نهج مميز لرؤية العالم والإحساس به وفهمه.