د. يونس بهرام
مع تصاعد وتيرة التحولات الجيوسياسية في شمال سوريا، يجد الكرد أنفسهم في قلب معادلة متغيرة، تحكمها تفاهمات عابرة ومصالح إقليمية متشابكة. من تفاهمات محتملة بين “قسد” وهيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع إلى الدور التركي المتجدد، وصولًا إلى التموضع الأميركي الجديد، تبدو “روج آفا” وكأنها على مفترق طرق تاريخي: إما التمدد الاستراتيجي، أو الانكفاء القسري.
تركيا.. مشروع عثماني وتصدير لأزمة داخلية
في خلفية هذا المشهد، تقف تركيا بسياسة هجومية تخفي خلفها هشاشة داخلية. فبين أزمة اقتصادية خانقة، وانهيار في قيمة الليرة، وتصاعد في نسب البطالة والتضخم، إضافةً إلى تراجع شعبي سياسي كبير لأردوغان وحزبه في الانتخابات البلدية، تسعى أنقرة إلى توجيه الأنظار نحو الخارج، وتحديدًا إلى سوريا.
وزير الخارجية التركي حقان فيدان، صاحب الرؤية العثمانية الجديدة، يقود هذه المقاربة، التي تهدف إلى إعادة تشكيل الخارطة السوريّة عبر من المجموعات المرتزقة في إطار مشروع يستهدف تحجيم الكرد وتحويل وجودهم إلى مكوّن اجتماعي – ثقافي منزوع الصفة السياسية والعسكرية.
سد تشرين.. الاقتصاد في خدمة سلطة دمشق
من التطورات اللافتة، ما يتعلق بسد تشرين، الذي تحوّل إلى نقطة جذب استراتيجي، بعد انسحاب القوات الأميركية من حقل كونيكو النفطي، وتموضعها في محيط السد. هذا التحول يُفسَّر على أنه محاولة لخلق توازن جديد في الموارد، لكنه يُهدد أيضًا بوقوع السد تحت نفوذ سلطة دمشق، بما يوفر له مصادر طاقة ومياه ودخل اقتصادي دائم، ويمنحه القدرة على تعزيز نفوذه في المنطقة، على حساب قسد.
قاعدة تشرين.. حرب باردة جديدة على الحدود
التمركز الأميركي في سد تشرين لا يمكن قراءته خارج سياق التحولات الإقليمية، فمن المتوقع أن تشهد المنطقة صراعًا محتدمًا بين ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والمجموعات المرتزقة من تركيا، ما ينذر بإشعال جبهة جديدة على الحدود السورية ـ العراقية. ورغم سخونة الجبهة، يبقى الكرد متفرجين على ميدان يُعاد تشكيله دون ضمانات لمصالحهم.
الساحل السوري.. بوابة للخروج من العزلة
وسط كل هذا، يُطرح سؤال استراتيجي جريء: هل يمكن للكرد التوجّه نحو الساحل السوري؟ وهل يمكن بناء تحالف مع المكوّن العلوي الذي يحتفظ بعلاقات قوية مع موسكو ونفوذ نسبي في سوريا؟
التقاطع بين الكرد والعلويين في مواجهة الإسلام السياسي العابر للحدود قد يفتح نافذة تعاون غير مسبوقة، خاصةً إذا ما طُرحت فكرة اللامركزية بجدّية. الوصول إلى البحر لن يكون فقط حلمًا جغرافيًا للكرد، بل تحوّلًا نوعيًا يُنهي حالة الحصار الجغرافي والسياسي التي فُرضت عليهم منذ سنوات.
الفرصة لا تنتظر
المشهد الإقليمي يتغير بسرعة، والتحالفات تُبنى وتُهدم بمعزل عنهم. أمام القيادة الكردية فرصة ضيقة لإعادة قراءة الواقع، وبناء تحالفات جديدة تعكس مصلحة قومية استراتيجية، لا مجرد ردود فعل ظرفية.
روج آفا إلى أين؟
سؤال مفتوح على كل الاحتمالات، لكن الجواب لن يُكتب إلا إذا قرر الكرد استعادة المبادرة، لا الاكتفاء بدور المتفرج.