زكي بدران
هل تستطيع سوريا العيش بسلام وأمان بهذا النهج؟ يجب طرح هذا السؤال بسبب ما يتم ممارسته من أفعال. يمكن القول بأن حكم سلطة البعث قد انتهى في سوريا والآن هناك حكومة في دمشق، حيث سيتم تشكيل مجموعات مسلحة، أعلنت موافقتها على الانضمام إلى الجيش السوري، ومن جهتها وقّعت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” والإدارة الذاتية اتفاقاً مع سلطة دمشق. في هذا الوضع؛ من الواضح أن هناك خطوات جادة نحو الاستقرار، إلا أن الممارسة العملية تدل على عدم تطابق الأقوال مع الأفعال.
لم تنخرط قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية بشكلٍ كامل ضمن النظام القائم، حيث تم تشكيل لجان من أجل النقاشات حيث ستبدأ الاجتماعات. موقف قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية واضح. تمتلك الشعوب التي تعيش في شمال وشرق سوريا والإدارة الحالية برنامجاً واضحاً لبناء سوريا ديمقراطية يعلنون عنه بشكلٍ صريح للرأي العام. فهم يناصرون السلام والديمقراطية والحرية. على النقيض من ذلك، تتحرك هيئة تحرير الشام في طريق أحادي معادي للديمقراطية من خلال الدستور المؤقت الذي أنشأته والحكومة التي شكلتها، وتكشف المجازر والهجمات بقصد التهجير ضد العلويين عن ذهنيتهم ونواياهم. ولا تريد سلطة دمشق أن تتحمّل مسؤولية المجازر، وعندما تواجه رد الرأي العام الداخلي والخارجي، تحاول إلقاء اللوم في هذه المجازر على مجموعات أخرى.
تم الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق خاصةً في هذا الشأن. من الواضح أن هذه اللجنة المشكلة من قبلهم، ستعد تقريراً وفقاً لرغباتهم. تبدو هيئة تحرير الشام، في وضعها الحالي، خاضعة للسيطرة التركية في كل المجالات. تحاوط السلطات التركية كل المؤسسات مثل الإخطبوط، وتتولى إدارة الاستخبارات السوريّة. وكأنهم يتبنون سوريا، يقولون بأنهم سيبنون الجيش والدولة. في هذه الحالة؛ كيف سيكون موقع هيئة تحرير الشام؟ كيف سيتم شرح الأحداث المحيطة بسد تشرين؟ تدافع إدارة دمشق عن نفسها وتقول إن الذين يرتكبون المجازر ضد العلويين ليسوا من مناصريها، إنما هناك مجموعات مختلفة ترتكب تلك الأفعال. هل يمكن قبول هذه الأقاويل؟ أعلنت المجموعات المذكورة عن انضمامها إلى وزارة الدفاع السوريّة، ولم تنفِ الوزارة ذلك لا بل أكدته، فإذا كانت القوات التابعة لوزارة الدفاع هي من ارتكبت المجازر والدمار، فلا يمكن لإدارة دمشق أن تنكر مسؤوليتها، حيث لا يمكن تفسير ضخامة حجم المجزرة بمواقف بعض الناس. فلا يمكن قتل الآلاف من الأشخاص من دون اتفاق ودعم وموافقة الإدارة، ولا يمكن لمسؤولي هيئة تحرير الشام القول بأنهم لم يكونوا على علم بهذه الأفعال وذلك نظراً للقدرات التقنية والإعلامية العصرية.
لقد هاجمت تركيا ومجاميعها المرتزقة سد تشرين ومناطق قراقوزاق لشهور، وكانت هيئة تحرير الشام تتابع هذه الهجمات، فهي كانت على اتصال مباشر مع الدولة التركية. لم تقُم بأي محاولة من أجل إيقاف الحرب، فسد تشرين ليس تركيّاً ولا يقع ضمن أراضيها ويبعد عن حدودها، وعندما تناقش الدولة التركية الرأي العام، فإنها تُدلي بتصريحات تقول فيها بأنها تحارب الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية، ومن جهتها تقول هيئة تحرير الشام أنها لا تحارب قوات سوريا الديمقراطية. صحيح أن هيئة تحرير الشام لا تخوض حرباً علنية ضد قوات سوريا الديمقراطية، إلا أن هناك شيئاً يثير الدهشة.
تم الإعلان عن انضمام الجيش الوطني السوري إلى الجيش السوري وأصبح مرتبطاً بوزارة الدفاع، وطالما يرتبط الجيش الوطني السوري بالجيش السوري، فهذا يعني إن الذين يهاجمون سد تشرين هم الجيش السوري، إلا أن هيئة تحرير الشام تقول؛ “نحن لا نقاتل” وعلى المقلب الآخر تتابع لقاءاتها مع قوات سوريا الديمقراطية من أجل انضمامها إلى الجيش السوري، إذا كان الجيش الوطني السوري مرتبطاً بالجيش السوري، فإن مسؤولية الهجمات على سد تشرين تقع على عاتق سلطة دمشق، فإذا كانت الدولة تقول إنها لا تقاتل وهي ضد الحرب، يجب عليها أن توضح موقفها ضد الجيش الوطني السوري.
تقدم الدولة التركية لهيئة تحرير الشام الأوامر حول كيفية إدارة سد تشرين، وذلك أثناء محادثات وقف إطلاق النار الحالية. تركيا تقول؛ “ضعوا جيش هيئة تحرير الشام بين مرتزقة الجيش الوطني السوري وقوات سوريا الديمقراطية”. إذا كان الجيش الوطني السوري مرتبطاً بالجيش السوري، فما الحاجة من قدوم وحدات أخرى من الجيش السوري لتتمركز بينهم وبين قوات سوريا الديمقراطية؟ الجيش يُصدر الأمر وينسحب الجيش الوطني السوري من هناك. يبدو أن هناك مسرحية تُمثّل أمام الرأي العام العالمي. تركيا تتدخل في كيفية إدارة سد تشرين وتعتبر كل ما تقوله قراراً. هل يمكن لسلطة دمشق، في هذه الحالة أن تقول إنها من تحكم سد تشرين وسوريا؟ هل يمكنها إثبات قوتها وأن تقول بأنها ستنفذ الاتفاق الذي وقّعته مع الإدارة الذاتية بمحض إرادتها؟ إذا دخلت تركيا إلى سوريا انطلاقاً من عدائها للكرد، فلن يدخل السلام والأمان إلى الأراضي السورية، حيث تحاول تركيا إنشاء سوريا استبدادية وشديدة المركزية، فهي العائق الأكبر أمام ديمقراطية سوريا ووحدتها.