الشدادي/ حسام الدخيل – يعاني مزارعو مدينة الشدادي جنوب مدينة الحسكة من تراجعٍ ملحوظ في إنتاج وزراعة الكمون والنباتات العطرية، والزراعة بشكلٍ عام، نتيجة موجة الجفاف المتواصلة وشحّ مصادر المياه، ما أدى إلى خسائرٍ كبيرة في المحاصيل هذا الموسم، وسط تدني لافت في أسعار الكمون في الأسواق المحلية والعالمية.
تعدُّ منطقة الشدادي من أبرز المناطق التي تعتمد على الزراعة، نظراً لطبيعة تربتها ومناخها المعتدل في المواسم السابقة، إلا أن الظروف المناخية الصعبة لهذا العام قلبت المعادلة، ودفعت بالكثير من المزارعين إلى إعادة النظر في استمرارية زراعة هذه المحاصيل العطرية مثل الكمون والكزبرة واليانسون، نتيجة ارتفاع تكاليف زراعتها.
يقول المزارع “بسام الأسعد” من قرية البجدلي التابعة للشدادي: “زرعت الموسم السابق نحو 20 دونماً بالكمون، لكن المحصول تضرر كثيراً بسبب الجفاف وعدم توفر المياه للري، خصوصاً مع جفاف نهر الخابور الذي كنا نعتمد عليه سابقاً. الخسائر كانت فادحة، ولم أتمكن من تعويض كلفة الزراعة حتى”.
ويؤكد أن الموسم لم يكن فقط سيئاً من حيث الإنتاج، بل حتى التسويق كان صعباً، قائلاً: “كنا نبيع الكيلو بـ10 دولارات في المواسم الماضية، أما اليوم فالسعر لا يتجاوز أربع دولارات، وهذا لا يغطي حتى أجور اليد العاملة”.
الانخفاض الكبير في سعر الكمون يعود لعدة أسباب، منها تراجع الطلب الخارجي، وزيادة المعروض في الأسواق المحلية وأسواق دول الجوار، إضافةً إلى صعوبات في التصدير من قبل التجار نتيجة الظروف في المنطقة.
ظروف مناخية صعبة تُضعِف الإنتاج
بدأت الأزمة تتفاقم مع تحول المناخ في منطقة الشدادي، حيث أصبحت موجات الجفاف المتكررة والمرتفعة ودرجات الحرارة تشكّل عبئاً هائلاً على المزارعين، فقد شهدت المنطقة انخفاضاً ملحوظاً في معدلات الأمطار خلال الفصول الماضية، مما أدى إلى شحٍ حاد في مصادر المياه الطبيعية والري الصناعي، وقد اعتاد المزارعون سابقاً على الاعتماد على مياه الأمطار ونهر الخابور في الزراعة، إلا أن انخفاض منسوب المياه إلى مستويات حرجة جعل من الصعب استمرار الزراعة بالطريقة التقليدية.
وأضافت عوامل أخرى مثل التقلبات الجوية المفاجئة وزيادة الأملاح في التربة تأثيراً سلبياً على جودة المحاصيل، خاصةً في زراعة الكمون والنباتات العطرية التي تتطلب تربة متوازنة ورطوبة معتدلة، هذه الظروف الجوية القاهرة أدت إلى ضعف النمو الطبيعي للمحاصيل مما أسفر عن انخفاض في الإنتاج وأثر سلباً على جودة المنتج النهائي.
انخفاض الأسعار وتأثيره على المزارعين
ويقول المزارع عبد الإله عبدالرحمن: “زرعت هذا الموسم حوالي 30 دونماً من الكمون، واليوم نحن على مشارف موسم الحصاد، إلا إن محصولي تضرر بشدة نتيجة نقص المياه، وانخفاض معدل الهطولات المطرية، حيث إن المحصول نبت في مرحلة مبكرة بعد أول هطول مطري، إلا أنه قد ذبل ومات بشكلٍ كامل بعد موجة الجفاف المتواصلة”.
ويضيف “شعرت بالإحباط وخسرت كل استثماري، ومصدري رزقي ورأس مالي الذي وضعته كله في الأرض”.
ونوه مزارع آخر يُدعى أحمد الفرحان: “لم أقُم بزراعة أي قطعة أرض هذا العام، لأن الموسم الفائت تكبدنا خسائر فادحة، بسبب انخفاض سعر الكمون المفاجئ، لم نشهد من قبل هذا الانخفاض في الأسعار، فكيف يمكن أن يعيش المزارع على هذا المنتج الذي كان مصدر رزق أساسي لعائلتنا؟ فقد انخفض سعر الكيلو من عشر دولارات إلى مادون الأربع دولارات ولا نقف عند هذا الحد، بل إن الخسائر تتزايد مع تدهور الوضع الزراعي”.
آثار اقتصادية واجتماعية على المجتمع الزراعي
إن تراجع زراعة الكمون والنباتات العطرية، والزراعة ككل لا يؤثر فقط على دخل المزارعين، بل يمتد تأثيره إلى المجتمع بأسره، فالزراعة في هذه المنطقة تُعتبر وسيلة عيش رئيسية ولها أبعاد اجتماعية واقتصادية كبيرة. فقد أدى انخفاض الإنتاج وتراجع الأسعار إلى فقدان الثقة لدى المزارعين، مما دفع الكثير من المزارعين إلى التخلي عن الزراعة والبحث عن مصادر رزق بديلة، مما يخلق أزمة هروب من القطاع الزراعي التقليدي. كما أن نقص المياه وزيادة التكاليف الاقتصادية أدت إلى تضاؤل فرص العمل وزيادة معدلات البطالة في المناطق الريفية، حيث يعتمد عدد كبير من الأسر على الزراعة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
دعوات عاجلة للتدخّل والدعم الحكومي
في ظلِّ هذه الظروف الصعبة، يتجمع المزارعون تحت لواء النداءات للمطالبة بتدخل الجهات المعنية، سواءً كانت إدارية أو منظمات دولية، لتقديم مساعدات عاجلة تشمل دعم تقني وزراعي بالإضافة إلى مشاريع لتوفير المياه وتطوير نظم الري، ويرى المزارعون أن الحلول المستدامة لهذه الأزمة لا تقتصر فقط على المعونات الفورية، بل ينبغي إرساء سياسات طويلة الأمد تستهدف تنمية الزراعة في المناطق القاحلة وتحسين البنية التحتية للمياه.
ويقول المزارع حسين الشويخ: “إن أبرز ما يجب أن تفكر به الهيئات المختصة بالزراعة هو مشاريع استجرار مياه دجلة أو الفرات إلى نهر الخابور وذلك لتعود حركة الزراعة إلى سابق عهدها وتوقيف الاعتماد على مياه الأمطار كحلٍّ لمواجهة التحديات التي يتعرض لها القطاع الزراعي”.
تطلعات مستقبلية وآمال في استعادة الإنتاج
رغم الظروف الصعبة التي تمر بها الشدادي، ما زالت هناك آمال في تجاوز هذه الأزمة من خلال تبني أساليب زراعية حديثة تعتمد على التقنيات الحديثة في الري والحفاظ على التربة، فقد بدأت بعض المبادرات التجريبية في استخدام تقنيات الري بالتنقيط والزراعة الذكية التي تستهدف تقليل استهلاك المياه وزيادة كفاءة الإنتاج، وهو ما قد يساعد في تخفيف وطأة الجفاف على المزارعين على المدى البعيد، وبدأت هذه التجربة من قرية قانا جنوب الحسكة، حيث شهدت القرية ثورة في مجال الزراعة الحديثة والتي تعتمد على الري بالتنقيط الذي يوفر كميات كبيرة من المياه على عكس الزراعة التقليدية.
ويقول المزارع “محمود الحسين” إن قرية قانا الواقعة جنوب مدينة الحسكة أنشأت ثورة حقيقية في عالم الزراعة من خلال تبني المزارعون خطط زراعية تعتمد على العمل بما هو متوفر، ونجحت في ذلك، من خلال اعتماد المزارعون على أساليب الري الحديثة المتمثلة بالري بالتنقيط، والاعتماد على الطاقة الشمسية بدلاً من محركات الديزل، ونجحت هذه الخطة نجاح كبير، واستطاع المزارعون زرع مختلف أنواع المزروعات وخاصةً الخضار، وتعممت هذه التجربة على مناطق كثيرة.
عوائق تواجه المزارعين
وبدوره أردف المزارع حسن الشيخ: “رغم نجاح تجربة قانا الزراعية، إلا أن هناك العديد من العوائق التي تواجه المزارعين منها، ضعف إمكانيات المزارع وعدم قدرته على تحمّل التكاليف العالية التي يتطلبها نظام الزراعة الحديث، حيث يحتاج المزارع إلى حفر بئر ارتوازي بالإضافة إلى ذلك يحتاج إلى معدات الري بالتنقيط اللازمة، ومنظومة الطاقة الشمسية، وكل هذا يتطلب آلاف الدولارات، وأغلب المزارعين لا يملكون هذه المبالغ الطائلة، وهم بحاجة إلى دعم من الجهات المعنية أو دعم من المنظمات الدولية لتقويم مشاريعهم، وهذا الدعم المطلوب غائب بشكلٍ شبه كلي، ويجب على الإدارة وهيئات الزراعة النظر في هذا الأمر وتوجيه كل الدعم لإعادة الزراعة إلى مكانها الطبيعي في المنطقة”.
ويضيف: “إن الأمل معقود على أن تجد الجهات المختصة عبر تدخّلات سريعة ودعم فعّال حلولاً مبتكرة تساهم في إعادة الاستقرار إلى القطاع الزراعي في الشدادي وكل مناطق الجزيرة السوريّة، واستعادة مكانته كواحد من أهم مناطق الزراعة في البلاد، مما يضمن مستقبلاً أكثر إشراقاً لأهاليها وللزراعة المحلية بشكلٍ عام”.