هيفيدار خالد
تواجه الحكومة السوريّة المؤقتة، منذ بسط نفوذها على العاصمة دمشق، جملة من التحديات الداخلية والضغوطات الخارجية، في ظل عزلة سياسية متزايدة على الساحة الدولية، إلى جانب تصاعد الانتقادات حيال النهج الذي تسلكه، لاسيما فيما يتعلق بملف المجموعات المسلحة التي تضم في صفوفها عناصر أجانب، معظمهم لا يزال مدرجاً على لوائح الإرهاب، فضلاً عن المجموعات المتطرفة المدعومة من الاحتلال التركي، ولعل أبرز مثال على ذلك، تعيين فهيم عيسى، ذي الأصول التركمانية، نائباً لوزير الدفاع.
وأمام هذه التحديات، يُلقى على عاتق الجولاني عدد من المهام الصعبة، أبرزها التخلص من الفكر الإرهابي والتطرف الذي ما زال يلاحقه، ويعيق جهود معاونيه نحو بناء سوريا التي يحلم بها جميع السوريين، بعد أكثر من ستة عقود من القمع والظلم والاستبداد والعنف الممنهج الذي مارسته أجهزة النظام البعثي بحق المواطنين. ولا تختلف ممارسات المجموعات المرتزقة والمجموعات المسلحة التابعة لوزارة الدفاع الحالية عن ممارسات عناصر وضباط النظام السابق، فهي تكرار للمشهد ذاته، ولكن بأسلوبٍ مختلف.
أما “الإعلان الدستوري” الذي أطلقه أبو محمد الجولاني، فلا يعكس توجهاً ديمقراطياً واضحاً، ولا يقدم رؤية تحترم حقوق مختلف مكونات الشعب السوري، إذ لا يختلف كثيراً عن نص الدستور الذي وضعه النظام السابق، ما يجعله غير قادر على تلبية تطلعات السوريين أو معالجة جذور الأزمة. وفي هذا السياق، لا تزال المجازر المرتكبة في الساحل السوري مستمرة بعيداً عن أعين الإعلام، في محاولة للتهرب من المحاسبة، وعلى الرغم من تشكيل الحكومة لجنة لتقصي الحقائق، إلا أن اللجنة لم تقُم بواجبها حتى اللحظة، ولم تلتقِ بعائلات الضحايا، بل يبدو أنها تسعى فقط إلى كسب الوقت.
تحاول السلطة المؤقتة في دمشق تحسين صورتها أمام الخارج بشتى الطرق، إلا أن الضغوط الدولية المباشرة، إلى جانب الخلفية السلفية المتشددة للجولاني، واعتماده على فرض تشريعات إسلامية متشددة، تقف عائقاً أمام إحداث أي تقدم ملموس. كما أن وتيرة زيارات الوفود الرسمية العربية والغربية إلى دمشق، والحراك الدبلوماسي المتسارع نحوها، يُعد اختباراً حقيقياً للإدارة الجديدة.
وتزداد الحاجة اليوم إلى أن يخرج الجولاني من عباءة تركيا، التي تحاول توظيف علاقاتها الوثيقة بالتنظيمات الإخوانية والمتطرفة لصالح نفوذها في سوريا، وأن يقطع كل أشكال التواصل معها. كما يُنتظر منه أن يواجه التحديات الاقتصادية الخانقة التي تثقل كاهل السوريين، في ظل وضع اقتصادي متدهور، وارتفاع معدلات الانفلات الأمني، وانتشار السلاح، وعمليات القتل، وتفشي جرائم السرقة والسطو، إلى جانب الاعتقالات التعسفية، وتزايد حالات الخطف من قبل عصابات مجهولة، وسط مخاوف من عودة دوامة العنف.
كل هذه الملفات المعقدة تُرهق الحكومة المؤقتة وتضعها أمام اختبارات صعبة، وإن لم يستطِع الشرع تجاوز هذه العقبات والضغوطات المتزايدة، فقد تواجه حكومته مستقبلاً غامضاً ومصيراً مجهولاً.