عبد الرحمن ربوع
خلال سنوات الثورة السوريّة كنا نقول كل يوم إن “وقت السوريين من دم”.. تعبيرًا عن حالة الصراع الدموي عالي التكلفة؛ حيث كان الشعب يدفع الثمن يوميًا أرواحًا تُزهق، وأخرى تختنق، ومنازل تهدم، وأحلام تضيع.. بسبب حالة الجمود والعطالة وإطالة أمد الصراع. الإطالة التي كان يراهن عليها النظام لإنهاك الشعب وإضعاف المعارضة، إلى أن انقلب السحر على الساحر، وانهار حلفاء النظام، لينهار بدوره بعدهم، ويسقط جراء حملة عسكرية لم تتجاوز الأحد عشر يومًا فيما ظل صامدًا لأربعة عشر سنة.
واليوم وبعد وصول السلطات الجديدة لسُدة الحكم، والإعلان عن فترة انتقالية لمدة خمس سنوات تبرز الحاجة الماسة لاختصار هذا الوقت وضغطه، فظروف وأوضاع البلد لا تحتمل كل هذا التأخير. كما لا يستطيع الشعب أن يدخل في حالة سبات طوال هذه المدة بانتظار إتمام استحقاقات المرحلة التي لا تريد الحكومة الانتقالية الشروع فيها وترجئها إلى حين تنتهي من مهام أخرى ورطت نفسها فيها ليست من صلاحياتها ولا من اختصاصها كإعادة بناء مؤسسات الدولة السيادية والاستراتيجية وفق طموحاتها وأغراضها واحتياجاتها، لا طموحات الشعب أو أغراضه أو احتياجاته.
فالبلد لا يمكن أن يظل مقسماً بهذا الشكل المؤلم والمُعيب إلى درجة أن لا يستطيع الهلال الأحمر الكردي أن يوصِل قافلة مساعدات إنسانية للمحتاجين في اللاذقية وطرطوس، وإلى درجة أن لا تستطيع مجموعة نشطاء سياسيين وحقوقيين الانتقال من السويداء إلى الرقة دون أن يتعرضوا للاعتقال والتنكيل.
لا يمكن أن تظل الحالة الأمنية متوثبة ومستنفرة بسبب الانقسام المناطقي والديمغرافي، والتخبط في القرارات، والتنازع على المكاسب والمغانم بين المجموعات التي مازالت تتصرف كما المماليك في القرن الثالث عشر، وكأن البلد عبارة عن إمارات مطوّبة، ومن حق كل مملوك منصب في البلاط ليواصل ما تعود عليه من مقاسمة الناس في أقواتها وأملاكها، ويكون له مطلق الحرية في إحياء من يشاء وإماتة من يشاء دون رقيب أو محاسب. كما لا يمكن تسليم رقبة البلد للتركي الذي يتحكم في كل شيء وتتم محاباته بتعيين عملائه ومحاسبيه، والجميع يعلم أن على سوريا محاباة ومجاراة المجتمع الدولي بكل أطيافه، لكن الارتماء في أحضان أنقرة يحرم سوريا من الكثير من المساعدات التي هي في أمسِّ الحاجة إليها، فلا الأوروبيون ولا الأمريكان ولا الصينيون ولا العرب (مصر والسعودية والإمارات ودول المغرب العربي) يمكنها التجانس في منظومة دبلوماسية وسياسية واقتصادية في سوريا بالتعاون أو بالتجاور أو بالتوازي مع الأتراك.
إننا نفرط بالكثير من المساعدات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإنسانية بسبب موالاة تركيا، وهذا لا معنى له إلا أن السلطة الحالية تخطط للاحتفاظ بالحكم الذي استولت عليه على حين غفلة.
إذا كانت الأوضاع والأجواء لا تسمح اليوم بحراك مجتمعي أو شعبي بسبب القبضة الأمنية والظروف الاقتصادية؛ فالأيام القادمة حُبلى بالتصعيد لأن استمرار التأخير والتعطيل يضغط على زناد الانفجار المحتوم، وهذا الشعب بكل فئاته ومكوناته لا يمكنه الصبر أو الانتظار أكثر مما صبر وانتظر.