No Result
View All Result
المشاهدات 11
قامشلو/ دعاء يوسف –
وسط خيام مهرجان أدب وفن المرأة العاشر في حديقة “آزادي” بمدينة قامشلو، لم تكن الحكايات مجرد كلمات تُروى، بل كانت تجسيدًا حيًا لقصص نجاح وُلدت من رحم الألم، ومن بين هذه القصص، لمع نجم فتاة صماء بكماء؛ استطاعت أن تجعل من صمتها صدىً للأمل، ومع غياب صوتها حكاية تلامس القلوب.
فعلى أحد الطاولات الموضوعة في ساحة حديقة آزادي بمهرجان أدب وفن المرأة العاشر في قامشلو وضعت فتاة من ذوي الهمم أنواع الحلويات، التي أعدتها وبعض الأعمال اليدوية التي صنعتها، لتبرهن للعالم أنها قادرة على المشاركة في ضجيج الحياة لتحوله إلى ترانيم إبداع بالرغم من سكونها.
سما خلف، فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، وُلدت بصمتٍ نطقت به الحياة في أعماقها، فهي من ذوي الهمم الصم البكم، لكنّها لم تكن يومًا ضحيةً لما فقدته، بل صارت بفضل إصرارها عنوانًا لما يمكن أن يُكتسب بالإرادة. وقد عبرت بلغة الإشارة عن مشاركتها في مهرجان أدب وفن المرأة العاشر، وكمية السعادة التي وصفتها بابتسامتها البريئة المصاحبة لمحياها.
فيما بينت والدتها زلفا محمد عثمان أن سما اختارت المشاركة بتقديم نوع من أنواع الحلويات البسيطة في قسم
منظمة نودم للتنمية والتأهيل لذوي الهمم كرسالة لزوار المهرجان، بأن ذوي الهمم طعم الحياة كما هم أرواح المهرجان.
من الصمت إلى الجمال… صالون سما
ورحلة الإبداع لا تتوقف عند المهرجان، إذ تعمل سما في صالون نسائي صغير خاص بها، ولا يحتاج الزبائن فيه إلى أن يسمعوا صوتها، يكفيهم أن يروا لمستها، فبأطراف أناملها، تُبدع في تصفيف الشعر، وتخط الجمال كما لو أنها ترسم لوحات فنية، صامتة ولكنها تنبض بالحياة.
وقد تعلمت سما مهنة “الكوافيرة” من دورة تدريبية في جمعية البر، وعن هذه المرحلة بينت والدتها: “لقد رفضوا في البداية أن يضموها للمجموعة بسبب وضعها الخاص وصعوبة تلقينها الفكرة لذلك قمت بالتسجيل معها لأكون عوناً لها”.
فحين أعلنت سما رغبتها في التعلم والعمل، لم يكن الطريق معبّدًا بالورود أمامها، وقد واجهت أسئلة تجرح أكثر من صمتها: “تعليمها مضيعة للوقت… لا تسمع ولا تتكلم، كيف ستفهم؟”، لكن سما ووالدتها لم تكونا تصغيان، لا لعدم قدرة سما على السمع، بل لأنهما اختارتا ألا تُصغيا إلا لما يدفعهما إلى الأمام.
تروي والدتها شيئا من المعاناة التي يبدو أنها لم تكن بالقليلة: “كان المجتمع قاسيًا، في البداية ظنوا أنني أتعلق بوهم، وأن سما محكوم عليها البقاء في الظل، لكني كنت أرى في عينيها رغبة لا يفهمها أحد كانت تتعلم بلغة عينيها ويديها، تحفظ الحركات، وتقلد بدقة، وكأنها تمتص المعرفة دون أن تنطق بحرف، وقد تحرجت من الثلاث الأوائل في هذه الدورة وافتتحت صالونها الخاص”.
إلى جانب عملها، تجد سما في الحرف اليدوية عشقًا آخر. تتعلم بتركيزٍ يشبه التأمل، وتبدع في تطريز الأقمشة، وصناعة الإكسسوارات، وحياكة التفاصيل الصغيرة التي تعبّر بها عن ذاتها، لا تتحدث، لكن كل عقد تصنعه، وكل وردة تخيطها، تروي حكاية صبرٍ وانتصار.
من خلال مشاركتها في مهرجان أدب وفن المرأة، أرادت سما أن توصل رسالة بأن القدرات لا تُقاس بما نملك، بل بما نصنع منه. فالإرادة وحدها، كما تقول حكايتها، يمكنها أن تخلق من الصمت صوتًا، ومن العجز قوة، ومن التحدي إنجازًا يلمع في سماء الإبداع.
No Result
View All Result