قامشلو/ دعاء يوسف ـ في طقوس روحانية، تُوّج الصوم الكبير، واستُحضرت آلام المسيح، فبدأت الكنائس إحياء أخر سبعة أيام في حياة المسيح على الأرض، وهذا الأسبوع تنحني فيه الأرواح، وتتوارى فيه الضوضاء، ليعلو صوت واحد فقط “صوت الحب المصلوب”.
بدأت الكنائس في مختلف أنحاء العالم بإحياء أسبوع الآلام، الذي يُعدّ أقدس أسابيع السنة الطقسية في التقاليد المسيحية الشرقية والغربية، ويُختتم بعيد القيامة المجيد، ويتزامن هذا الأسبوع مع نهاية الصوم الكبير، حيث يكرّس المؤمنون هذه الأيام لتأمل آلام السيد المسيح وصلبه وقيامته.
وتظهر معالم الحزن في هذا الأسبوع على الكنائس فأعمدة الكنيسة ملفوفة بالسواد، والأيقونات أيضًا مجللة بالسواد وبعض جدران الكنيسة، والألحان حزينة والقراءات عن الآلام وأحداث هذا الأسبوع، إذ يبتعد المؤمنون جميعًا عن كل مظاهر الفرح، النساء تحرم عليهن الزينة خلال هذا الأسبوع. فلا يلبسن الحُلي، ولا يتجملن، ولا يظهر شيء من ذلك في ملابسهن، والاحتفالات كلها ملغاة.
أسبوع الآلام
ويمتد أسبوع الآلام من أحد الشعانين وحتى سبت النور، ويمثل ذروة الحياة الروحية في السنة الكنسية، إذ تتنوع فيه الطقوس والصلوات لتعيد إحياء تفاصيل الأيام الأخيرة من حياة السيد المسيح على الأرض.
ويبدأ في أحد الشعانين، إذ يحتفل المسيحيون بدخول المسيح إلى أورشليم ملكاً وديعا، حيث تُقام مسيرات رمزية في الكنائس بسعف النخيل وأغصان الزيتون، في مشهد يجمع بين الفرح والرهبة، إيذانًا ببداية أسبوع مليء بالترانيم الحزينة والقراءات التأملية.
ثم تنقلب المشاهد، وتبدأ دروب الألم في أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء، حيث تتردد كلمات الإنذار والدموع، وتُكشف خفايا القلوب، ويُسلّم الخائن سيده بثمنٍ بخس. ومع كل قراءة من الإنجيل، يتسرب إلى النفس شعورٌ بالخشوع، وكأن الزمن يتوقف أمام عظمة الحب الذي لا يعرف حدودًا، وتقام في هذه الأيام “صلوات البصخة المقدسة” صباحًا ومساءً، حيث تتلى فصول من العهدين القديم والجديد، تركّز على إنذارات المسيح وتحذيراته، وتُستحضر مشاهد خيانة يهوذا ونهاية العالم.
أما خميس العهد، فيحمل طابعاً خاصاً، حيث تحيي الكنائس ذكرى “العشاء الأخير” الذي أسّس فيه المسيح سر التناول، كما يتضمن الطقس طقس “غسل الأرجل”، تعبيرًا عن التواضع والخدمة، اقتداءً بالمسيح الذي غسل أرجل تلاميذه، هناك، على مائدة العشاء الأخير، يؤسّس سر الإفخار ستيا، ويقدّم جسده ودمه طعامًا أبديًا للحياة. ثم يسير طائعًا إلى بستان الزيتون، حيث يبدأ الألم الحقيقي.
ويبلغ أسبوع الآلام ذروته في الجمعة العظيمة، حيث تتوقف الحياة الكنسية عن الاحتفالات، وتُغطى المذابح بالسواد، ويُرفع الصليب وسط الكنيسة، وتُتلى صلوات طويلة تستعرض مراحل محاكمة المسيح وجلده وصلبه وموته. وتشهد الكنائس في هذا اليوم حضورًا كثيفًا من المصلين الذين يشاركون في طقس “السواعى”، وسط جو من الحزن والخشوع.
ويُختتم الأسبوع بـ سبت النور، حيث تنتظر الكنيسة في صمت وتأمل قيامة المسيح من الموت. وتُقام قداسات منتصف الليل في العديد من الكنائس إيذانًا بحلول عيد القيامة، الذي يُعلن انتهاء الحزن وبداية زمن الفرح والرجاء.
روحانية الأعياد بترابط المجتمع
ويمثل أسبوع الآلام لدى المسيحيين فترة تأمل وتجديد روحي، وفرصة للعودة إلى القيم الإيمانية والروحية في ظل تسارع الحياة، كما يسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية من خلال المشاركة الجماعية في الصلوات والطقوس.