د. علي أبو الخير
عندما اشتعلت مظاهرات الربيع العربي؛ قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالتدخّل في الشأن العربي بصورةٍ مشوهة؛ في ليبيا وتونس؛ كما احتل أراضي في شمال سوريا ودعم داعش الإرهابي؛ بالإضافة إلى المذابح التي قام ويقوم بها ضد الكرد في سوريا وتركيا على السواء.
كما تدخّل في الشأن المصري بصورةٍ ساذجة؛ حيث استغل سقوط نظام الإخوان المسلمين عام ٢٠١٣ وشن حملة إعلامية وسياسية شعواء ضد الشعب المصري، وضد الرئيس عبد الفتاح السيسي بصورةٍ شخصية؛ واستقبل إعلاميين من الإخوان المسلمين، وفتح لهم قنوات فضائية من ميزانية الدولة التركية؛ فلم يتركوا أي شائعة خبيثة إلا وأضافوها للنظام المصري؛ ولكنه في النهاية عاد صاغراً لمصر وتناسى كل ما قاله وكذب به. واليوم يذوق أردوغان مثلما فعله من قبل ضد الآخرين؛ حيث تجتاح إسطنبول مظاهرات شديدة ومروعة ضد أردوغان نفسه؛ وهي كما نراها ربيع تركي بنكهة خريف العمر ونهاية الغرور، والمفترض عدم الشماتة في شعب، ونحن لا نشمت في الشعب التركي، ولا حتى في الرئيس أردوغان، فديننا وأخلاقنا يرفضان الشماتة، وفي المقابل نبغي السلام للبشر، في المنطقة وفي كل العالم، ونود حصول كل شعب على حقوقه، وربما ذلك أقرب لنظرية الأمة الديمقراطية، التي كرّسها المفكر والقائد عبد الله أوجلان.
بداية ثورة تركيّة… مظاهرات الغضب
رشح حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول مرشحاً رئاسياً عام ٢٠٢٨،وهو ما دفع أردوغان لاعتقاله مع مجموعة من مؤيديه، ورشحه الحزب رغم إيقافه عن العمل وسجنه؛ حيث نُقل مع عدد من مؤيديها إلى سجن مرمرة غربي إسطنبول، بتهم فساد؛ وهنا انطلقت المظاهرات ، لأن الشعب التركي يفهم أن اعتقال أوغلو له خلفية سياسية معارضة للنظام الأردوغاني؛ ومن ثم زادت المظاهرات وتم القبض على أكثر من 1400مواطناً من المطالبين بالتغيير؛ وهنا قال الرئيس أردوغان خلال حفل إفطار بالعاصمة التركيّة أنقرة إنه من غير المسموح أن يعتدي المتظاهرون على قوات الأمن والمساجد والمقابر، وذلك تعليقاً على مظاهرات حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول وعدد من مدن البلاد؛ وهو تزييف للحقيقة؛ لأن قوات أمن أردوغان هي من قتلت وسجنت المتظاهرين السلميين؛ وهؤلاء لم يعتدوا على القبور ولا على قوات الأمن، وهذه كما نعلم هي اتهامات سلطانية ضد المعارضين معروفة في دول العالم الثالث.
وفي كل الأحوال؛ فإن اعتقال أوغلو يُنهي عملية السلام التي نادى بها الرئيس التركي نفسه، أي يناقض أقواله.
أردوغان والكيان الصهيوني
كلنا يعلم أن العلاقة بين النظام التركي مع الدولة الإسرائيلية وثيقة؛ منذ تأسيس إسرائيل كدولة عام 1948، ولم تنقطع خلال ذلك العلاقة السياسية؛ ولم تتأثر العلاقات الاقتصادية؛ بل لم يحدث أن تدخّل النظام التركي لصالح ونصرة القضية الفلسطينية؛ رغم مجازر إسرائيل المتكررة ضد شعب فلسطين.
ولكن منذ سقوط نظام بشار الأسد؛ تدخّلت تركيا في الشأن السوري وقدمت وتقدّم الدعم للنظام السوري الجديد؛ أي أن أردوغان دخل من شباك سوريا بعد أن خرجت إيران من الباب؛ وفي الوقت ذاته تدخّلت إسرائيل ومازالت تتدخّل في سوريا ودمرت كل المُقدرات العسكريّة السوريّة واحتلت مناطق في الجنوب السوري، دون أن يردعها رادع.
ونلاحظ انه يمكن أن يكون ذلك بداية توتر ثم صِدام بين النظامين التركي والإسرائيلي؛ ولا يشفع لتركيا عضويتها في حلف شمال الأطلسي ولا حتى العلاقة الوثيقة مع أمريكا؛ وعندها سيدرك أردوغان أن من يحميه هم الشعب التركي؛ بشرط إعطاء الشعب حريته؛ كل الشعب بكلِّ مذاهبه وأعرافه ودياناته؛ وأن يعطي الشعب الكردي حق تقرير مصيره وأن يفرج عن الرمز القائد عبد الله أوجلان؛ أما دون ذلك؛ فسوف يكون الخريف الأردوغاني طويل بطول زمن الغطرسة، ولكنه ربما يكون ربيعاً تركيّاً بعيداً عن التعصب العثماني.