المشاهدات 29
قامشلو/ سلافا عثمان – في صباحٍ مشرق من شهر نيسان، وبين عبق الزهور وتفتح الطبيعة، يحتفل الإيزيديون حول العالم بعيد “الأربعاء الأحمر”، الذي يُعدّ أقدم أعيادهم الدينية وأكثرها قداسة، ويصادف الأربعاء الأول من شهر نيسان حسب التقويم الشرقي، والذي يتأخر عن التقويم الميلادي بـ13 يوماً.
في كل عام، ومع حلول الربيع وتفتح الأزهار، يُحيي الإيزيديون حول العالم طقساً دينياً عريقاً يُجسد بداية الخلق وانبعاث الحياة من جديد، “الأربعاء الأحمر”، أو رأس السنة الإيزيدية، الذي لا يُعد مجرد مناسبة روحية، بل هو امتداد لهوية متجذرة في التاريخ، وصوت مقاوم في وجه محاولات الطمس والاضطهاد، يحمل هذا اليوم رمزية عميقة في معتقدات الإيزيديين، حيث يتداخل فيه الدين بالطبيعة، والفرح بالذكرى، والطقس بالموقف، ليصبح عيداً يحتفي بالحياة، ويجدد من خلاله أبناء الديانة الإيزيدية تمسكهم بأرضهم وثقافتهم ووجودهم.
طقوس الأربعاء الأحمر
عيد “الأربعاء الأحمر” أو “رأس السنة الإيزيدية” ليس مجرّد مناسبة دينية فحسب، بل هو يوم يحمل في طياته رمزية الخلق وبداية الحياة، كما يُمثل لدى الإيزيديين لحظة انبثاق الكون وتكوين الإنسان، حيث يؤمنون بأن الله قد أرسل في هذا اليوم “طاووس ملك”، رئيس الملائكة في عقيدتهم، إلى الأرض اليابسة، ليبث فيها الحياة، في هذا اليوم نفخ الله الروح في جسد آدم، معلناً بدء رحلة البشر على الأرض.
وتبدأ التحضيرات لهذا اليوم، قبيل يوم العيد، وتحديداً صباح الثلاثاء، حين يزور الإيزيديون قبور أحبّائهم حاملين معهم الفاكهة والحلويات لتوزيعها على الأطفال والفقراء، ويمتنعون في هذا اليوم عن حراثة الأرض ورعي الأغنام وحلبها، احتراماً للحياة وتقديساً لكل كائن حي.
وفي صباح العيد، يرتدي الإيزيديون أجمل الملابس، ويزينون منازلهم بزهور شقائق النعمان الحمراء، التي تُعرف بـ “زهرة نيسان”، والتي يُعتقد أنها نبتت لأول مرة في هذا اليوم المبارك، كما يذبحون أضحية قرابين، سواء كانت شاة أو خروفاً أو عجلاً، تقرباً إلى الله وشكراً على نعمة الحياة، وذلك حسب إمكاناتهم.
رمزية البيض الملون
ويُعدّ سلق البيض وتلوينه أحد أبرز الطقوس الرمزية في هذا العيد، إذ يُلوّن الإيزيديون 12 بيضة مسلوقة، بألوان تمثّل فصول السنة الأربعة، وتُعرض في صحن داخل المنزل، وترمز البيضة إلى كروية الأرض، بينما يمثل سلقها تجمّد الأرض، وتدل قشرتها بعد السلق على ذوبان الجليد، في حين تُعبّر الألوان الزاهية عن قدوم الربيع وبداية الحياة من جديد.
ويتبادل الناس الزيارات في هذا اليوم، وينتقل الضيوف من بيت إلى آخر برفقة مضيفيهم، في مشهد يعكس قيم المحبة والسلام وإنهاء الخلافات، وغالباً ما تُختتم هذه الزيارات في مزار ديني أو في منزل أحد كبار الإيزيديين، حيث تُستكمل الطقوس والاحتفالات.
ويُطلق على شهر نيسان عند الإيزيديين “عروس السنة”، فلا تُعقد فيه الزيجات، لأنه شهر مقدّس يُحظر فيه الزواج لاعتقادهم بأنه يجلب النحس، ولا توجد عروس تضاهي “عروس السنة”.
يرى الإيزيديون في هذا العيد مناسبة لأعياد عديدة في آنٍ واحد، وفق معتقداتهم، فهو يوم “انفجار الذرة البيضاء” من صرخة الرب، والتي خُلقت منها النار، والماء، والتراب، والهواء، ثم “غليان الأرض” كما يغلي البيض المسلوق، ومن ثم “عيد الخليقة” حين ضُخ الدم في جسد آدم، وأخيراً “عيد الخصوبة”، حين خُلقت أول بيضة لإعادة تكوين أول كائن حي.
صوت المقاومة في وجه الظلم
وعلى الرغم من المحن والهجمات التي يتعرض لها الإيزيديون، خصوصاً في شنكال والشهباء، فإنهم ما زالوا يحتفلون بيومهم الكبير، في تجسيد واضح لإرادة الحياة وروح المقاومة، وبهذا الصدد أكد الرئيس المشترك لمجلس البيت الإيزيدي في مقاطعة الجزيرة “إسماعيل دلف” من خلال تمسكهم بطقوس العيد على هويتهم الدينية والثقافية، خاصة في سوريا، التي لم تكن تعترف بديانتهم في السابق، ولم تكن تمنحهم الحرية لممارسة طقوسهم كما يفعلون اليوم بعد التغيرات السياسية.
وفي الختام، أكد الرئيس المشترك لمجلس البيت الإيزيدي في مقاطعة الجزيرة “إسماعيل دلف”: “عيد الأربعاء الأحمر هو رأس السنة الإيزيدية، ويُعدّ من أعظم المناسبات الدينية لدينا، حيث نحتفل فيه بانبعاث الخليقة وبدء الكون”، مضيفاً: “فنحن الإيزيديون في سوريا من السكان الأصليين، ونأمل أن يعم السلام في أنحاء العالم، وأن يتم تحرير الإيزيديين والإيزيديات المختطفين في شنكال، فقد تلقينا دعماً متكرراً من القائد عبد الله أوجلان، ووجّه لنا رسائل تشدد على تنظيم صفوفنا في وجه المخاطر المحدقة بنا، نتمنى أن يكون هذا العيد بداية جديدة مليئة بالأمل والحرية لأبناء شعبنا وللشعوب المضطهدة كافة”