علاقة الريفيات بالطبيعة منذ إنشاء البشرية من العلاقات التي حافظت على حالها، ولم تؤثر عليها الرأسمالية، إذ تَعتَبِر الريفيات الفلاحة وتربية المواشي جزءا أساسيا من روتين حياتهن.
الطبيعة والنساء
ومع حلول فصل الربيع في 21 آذار تغطي المساحات الخضراء تلال وحقول أرياف مدينة كوباني في إقليم شمال وشرق سوريا، في صورة تَشرح صدر المشاهد لتلك الطبيعة الخلابة، من أشجار وبساتين ومحاصيل القمح، والشعير والأزهار المنتشرة على قارعة الطرقات، وما يميز أرياف كوباني أن الأهالي يبنون منازلهم وسط حقولهم، ولا يخلو أي منزل في الريف من البساتين، والمواشي، والطيور.
وما يلفت الأنظار، أن أكثر من يتأثر بهذه الطبيعة النساء، فترى مجموعة من النساء يقمن بتنظيف الأعشاب الضارة من البساتين، والعناية بالشتلات في البيوت البلاستيكية، ويرعين الأغنام والأبقار، ويربينَ الدجاج والبط، إلى جانب القيام بأعمالهن المنزلية والطهو على النار بعد جمعهن الحطب، والكثير من الأعمال دون أن يشعرن بالملل، لأنه يشكل الجزء الأكبر من حياتهن اليومية.
سامية الإبراهيم (40) عاماً من قرية إيلاجاغ غرب مدينة كوباني تستيقظ كقريناتها في ساعات الصباح الباكر مع شروق الشمس بشكلٍ يومي، قالت: إن رحلتها في الزراعة تبدأ في مطلع العام أي كانون الثاني، حتى أواخر فصل الخريف أثناء جمع الحطب، وتقليم الأشجار.

ويُعتَبر المناخ العامل الطبيعي الذي يؤثر في تحديد أنواع المحاصيل، والإنتاج الزراعي، ومقاطعة الفرات في إقليم شمال وشرق سوريا من المناطق التي تتمتع بمناخ يساعد على زراعة أنواع مختلفة من الأشجار المثمرة، والبساتين بكافة مواسمها، إلى جانب الزراعات البعلية والحقلية.
وتعتمد سامية في دخل أسرتها على الخضروات والفاكهة التي تجنيها من البساتين والأشجار “نقوم بزراعة الشتلات في البيوت البلاستيكية لحمايتها من الصقيع وبرد الشتاء، ريثما تنمو، ونقوم بزراعتها في البستان مع حلول شهر نيسان، والذي يكون فيه الطقس معتدلاً”، وتضم تلك الشتلات البندورة، والفلفل، والباذنجان، إلى جانب البصل والثوم، أما أنواع الأشجار التي تعتمدها هي التفاح والرمان، فيما يعتمدون على مياه الآبار في الري.
وإلى جانب الزراعة تربي سامية الإبراهيم المواشي، لتحقق الاكتفاء الذاتي لعائلتها، إضافة إلى الدجاج والبط، مشيرة إلى أن “جميع أنواع الأغذية في الريف طبيعية ومفيدة لصحة الإنسان ولا تضر البيئة بتاتاً”.
وقد اكتسبت سامية مهارة الزراعة وتربية الحيوانات من والدتها، والآن تورثها لبناتها، واللافت في الأمر أنه بجانب ذلك لم تهمل تعليم بناتها بل تشجعهن على مواصلة تعليمهن على عكس الذهنية السائدة في بعض المجتمعات الريفية التي تمنع الفتيات من إكمال تعليمهن لتقمن بالأعمال الزراعة وغيرها: “بناتي يساعدنني في أعمال الزراعة وتربية الحيوانات، بعد الانتهاء من واجباتهن المدرسية”، وتستمر مع بناتها بالعمل حتى لحظات غروب الشمس، وتعد حياتها نموذجاً من حياة الريفيات اللاتي يعتبرن أن الطبيعة جزء كبير من الحياة، ولا يمكنهن الاستغناء عنها.
وتُفضل “سامية الإبراهيم” الريف على المدينة: “الحياة في الريف تبعث الراحة وسط الطبيعة، إلا أن المشكلة الوحيدة التي نوَجهها هي الطرق التي يصعب التنقل من خلالها بسبب الطين، بعد موسم الأمطار في فصل الشتاء”، مشيرة إلى أنها لا تستطيع العيش في المدينة لأنها ولدت وترعرعت في الريف واعتادت على طبيعتها وتعتبر المدينة “سجناً” لها.