رفيق إبراهيم
الرئيس التركي أردوغان، ومنذ بداية الأحداث في سوريا، سعى لتحويل كل ما حدث في سوريا لصالحه، لأنه يعدُّ ما تحقق سبقاً استراتيجياً، وخاصةً بعد حرب غزة ولبنان، وإثر سقوط النظام في سوريا، ومجيء جبهة النصرة المتحالفة معه، أراد الاستثمار في ذلك كي يجعل سوريا محافظة تركية، وعلى الرغم من ذلك فإنه من المبكر التحدث عن سقوط سوريا في أحضان العثمانية التركية الجديدة.
استغلال خروج إيران ودور إسرائيل
الخروج المذل لإيران من سوريا، أسال لعاب أردوغان، وتخيل أن المهمة ستكون سهلة، وأن السيطرة على سوريا كبديل للنظام الإيراني، الذي كان يحاول هو الآخر تأسيس هلال شيعي، والوصول لضفاف البحر الأبيض المتوسط، وتخيل أن الطريق بات سالكاً لتحقيق أمنياته وطموحاته، ونظراً لموقع سوريا الهام في المنطقة، تكالبت عليها العديد من الدول إقليميا ودولياً، والأتراك اليوم يمنون النفس بالسيطرة على سوريا، حيث أن الطموح تراودهم لإعادة أمجاد العثمانية البائدة، ويستغلون في تحقيق تلك الأماني الأوضاع الصعبة التي تعيشها المنطقة والشرق الأوسط.
وعلينا إلا ننسى الدور الإسرائيلي المحوري في المنطقة وسوريا بشكل خاص، بالوقوق أمام المشروع التركي التوسعي، حيث أن لديها مخاوفاً من التمدد التركي الكلي في سوريا، وتركيا تدرك تماماً أن أي احتكاك مع الإسرائيليين في سوريا، لن تكون من مصلحتها، فعلى الرغم من عدم وجود مشاكل تذكر بين الجانبين على مدار 14 عاماً من الأزمة السورية، ولكن مع وجود هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب العالمية، ودعم تركيا لها، قد يحدث ما لم يكن في الحسبان، وإسرائيل دخلت الأراضي السورية كي تحافظ على أمنها حسب ما تقول، ويبدو أنها تؤسس لمنطقة عازلة في الجنوب السوري، تضم المحافظات السورية الثلاث، السويداء، ودرعا، والقنيطرة، رافضةً دخول الأمن العام التابع لسلطات دمشق في تلك المناطق، وتحت أي مسميات كانت.
الهالة الإعلامية التي تقوم بها تركيا، ضد إسرائيل، ما هي إلا للاستهلاك الإعلامي فقط، ولا تعني أن العلاقات بينها وبين إسرائيل سيئة كما يتصورها البعض، وهناك في الخفاء تنسيق بينهما في العديد من الأمور، من بينها التجارة والاقتصاد، والعمل الاستخباراتي، وهذا ما يؤكد أنه لا عداء حقيقي بين إسرائيل وتركيا، إنما هناك نقاط خلاف حول سوريا القادمة، وشكلها ونظام حكمها، ولكي تحافظ إسرائيل على حدودها مستقرة وهادئة، لديها شروط ومن أولها عدم وجود مجموعات متطرفة على حدودها، وحتى سلطات دمشق لا تحبذ احتكاكاً مع إسرائيل.
خرائط جديدة وصمت سلطات دمشق
تركيا اليوم تعيش أزمة سياسية واقتصادية داخلية كبيرة، فالأزمة السياسية بلغت ذروتها، باعتقال أكبر منافسي أردوغان على الرئاسة التركية، أكرم إمام أوغلو، وبالتأكيد ستكون له تداعيات مفصلية قد تودي بحكم أردوغان وتحالفه، وأيضا هناك أزمة اقتصادية وتراجع كبير في قيمة الليرة التركية، ما أثر على الأوضاع العامة للشعب التركي، الذي يأمل الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة، وإن لم يتدارك أردوغان خطورة ذلك، سيزداد الرافضون لسياساته الداخلية، وستصبح حتمية سقوطه ممكنة، وفي مثل هذه الأجواء المعقدة هل يستطيع أردوغان تحقيق طموحه، الذي سعى إليه منذ بداية الأزمة السورية؟ وهو السيطرة على كامل الأراضي السورية.
في سوريا هناك تنسيق، بين الأتراك وسلطات دمشق الجديدة، بعد غياب تام للدور العربي في إيجاد مخرج للأزمة السورية، وكما نعلم جميعاً أن أردوغان انتهازي، يستغل الفرص المتاحة بدقة، وهو ما فعله في سوريا، وهو يعلم تماماً أن سوريا بوابة المنطقة بأكمها، لما تحمله من إمكانات، وأيضاً من موقع استراتيجي هام للغاية، وإمكانية المشاركة في إعادة الإعمار والتقليل حال الركود الاقتصادي التي تعيشها تركيا اليوم، وأن يجعل سوريا سوقاً لتصريف البضائع التركية، ما قد يخفف الضغوطات التي تواجهها الحكومة التركية من الشارع التركي.
ومن أجل تحقيق أجنداتها الكثيرة على الأراضي السورية، تركيا تسابق الزمن لإقامة قواعد عسكرية جوية، على الأراضي السورية، لوضع خريطة طريق لبقائها الدائم في سوريا، لذلك تحاول عدم التصعيد مع إسرائيل، والعمليات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، بقيت دون إدانة من المسؤولين الأتراك، وحتى الإسرائيليين ورغم تصريحاتهم العلنية ضد تركيا، لا يتبنون ردود فعل كبرى فيما يخص الدور التركي في سوريا، وهجماته المستمرة على مناطق شمال وشرق سوريا.
نحن اليوم، إن شئنا أم أبينا، أمام رسم خرائط جديدة للمنطقة، والشرق الأوسط الكبير، يمكن أن يدخل حيز التنفيذ ويبدأ من سوريا، ودول المنطقة على رأسها إسرائيل وتركيا، يدركون ذلك تماماً، ولهذا ستستمر حالة المشادة الكلامية بين إسرائيل وتركيا، حيال سوريا، ولن تتطور لمواجهة عسكرية، وحتى صمت سلطات دمشق حيال الهجمات الإسرائيلية، تصب في هذا المحور، وإسرائيل ما يهمها من الأمر كله، هو عدم وجود جبهة النصرة على حدودها، وأيضاً فكرة وجود قواعد تركية بالقرب منها، والأيام القادمة ستكشف النوايا وستظهر الترتيبات الجديدة في المنطقة.