في شارع يعجّ بالحياة، وسط مدينة تل تمر، يقع متجر قديم، لكنه مليء بالحياة والحكايات، عند عبورك من أمامه، يجذبك عبق الذكريات ورفوف مليئة بالأشياء التي تذكّر الناس بماضٍ جميل وتراث عريق.
في زاوية شارع الشهيد “عمر بارافي”، وسط مدينة تل تمر في مقاطعة الجزيرة، يقع متجر بسيط لكنه يعكس حياة مليئة بالتراث والمثابرة. يتساقط الضوء على واجهته البسيطة التي تحتوي آثار الزمن، حيث يلتف حولها الزبائن يتصفحون محتوياتها. هذا المتجر ليس مجرد محل بيع، بل هو عالم صغير يعجّ بالحكايات والتاريخ، وروح الجدية.
قصة الصبر والعمل الشاق
وفي هذا المتجر، تجد “وضحة الحمد”،75 عاماً، جالسة رغم مرضها وكبر سنها، تتابع حركة الزبائن في المتجر الذي أسسته قبل أربعين عاماً، لكن وراء هذه البساطة تقبع قصة حياة طويلة مليئة بالتضحيات والكفاح المستمر، بدأت وضحة هذا المتجر منذ زمن طويل، وهي اليوم تروي قصة من الصبر والعمل الشاق، حيث تعكس بضاعتها ذكريات قديمة ومنتجات تراثية تحمل عبق الماضي العريق.
ورغم تقدمها في السن وما تعانيه من صعوبة في الوقوف، إلا أن وضحة تعود كل يوم إلى متجرها، هناك، تجلس مع زبائنها، يتبادلون الحديث، ويسهمون في إبقاء هذا المكان حياً. وراء كل قطعة في المتجر، قصة، وحكاية تحكي عن الماضي القريب وتاريخ الشعب، الذي نشأت فيه وضحة، فهي تتاجر بالمنتجات القديمة مثل “إبر الشك، وخيطان اللحف، والحبال المجدولة، والمنتجات اليدوية الأخرى”، وعلاوة على ذلك؛ أنك تجد في متجرها الألفة، والذكريات، والدروس المستقاة من الحياة.
ولكن لم تكن الحياة سهلة لوضحة، ففي 11 كانون الأول 2015، فقدت ابنها في تفجير نفذته مرتزقة داعش في مدينة تل تمر، فترك وراءه ثلاثة أبناء ووضحة أصبحت مسؤولة عن رعايتهم، ورغم الصدمة والفقد، لم تتخلَّ عن مهمتها هي أم وجدّة، فتحت متجرها من جديد، وعادت للحياة اليومية بمسؤولياتها، رغم كبر سنها، مما دفع حفيدها، الذي خسر والده في التفجير، ليقف إلى جانبها ويساعدها في العمل اليومي.
وبدأت وضحة تأخذ على عاتقها تربية أحفادها، فهي لا تكتفي فقط بتوفير الطعام والشراب، بل تسعى أن توفر لهم الأمل والحياة الكريمة، التي لم تتمكن هي من الحصول عليها في شبابها، ولكنها كانت دائماً تبث فيهم روح الكفاح والإصرار على الحياة رغم الصعوبات، وإلى جانب جهدها في المتجر، تعلمت وضحة، أن الحياة لا تتوقف عند الفقد، بل تستمر بوجود أمل في كل خطوة.
حلول في مواجهة الصعاب
ومن الحلول التي لجأت إليها وضحة لمواجهة تحديات الحياة الصعبة كان تطوير متجرها، حيث كان متجرها مملوءاً بالأشياء البسيطة، التي تُظهر أهمية التراث القديم، مثل إبر الشك، والحبال المجدولة التي كانت تُستخدم لصنع العديد من الأدوات المنزلية، وكذلك المقشات اليدوية والمصابيح التي تعمل بالفتيل، إلى جانب محازم العجائز التي كانت تستخدم في الماضي. في كل ركن من أركان المتجر، تجد شيئاً يحمل ذكريات قديمة، وكل زبون يدخل المتجر يشعر وكأنه عاد إلى أيام الطفولة، حيث كل شيء كان بسيطاً وأصيلاً.
ومع كل صباح، تجد وضحة نفسها تتوجه إلى متجرها لملاقاة الزبائن الذين يتوافدون من مختلف مناطق تل تمر وقراها، يأتي الرجال والنساء على حد سواء، يبحثون عن مستلزمات بسيطة، لكنهم في الحقيقة يأتون أيضاً ليجدوا تلك الألفة التي تقدمها وضحة، وهو ما يجعل متجرها ليس مكانا للشراء فقط بل مكان للألفة والمحبة، هنا، يتوقف الناس للاستماع إلى القصص التي ترويها وضحة، ويتبادلون معها الحديث والضحكات، فيما يساعدها حفيدها في ترتيب البضائع التي تباع. ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها وضحة، تبقى طموحاتها كبيرة: “أنا هنا لأربّي أحفادي وأعطيهم الأمل، رغم كبر سني، إلا أنني لا أستطيع أن أتركهم يواجهون الحياة دون دعم، هذا المتجر هو لهم، هو فرصتهم لكي يكون مصدر رزق خاص بهم، وهو الأمل الذي أتركه لهم ليعيشوا حياة أفضل”.
وتعيش وضحة الحمد اليوم حياة مليئة بالعطاء، بالأمل والتطلعات، لم يكن الفقد نقطة النهاية لها، بل كان بداية جديدة لكفاح طويل ومضني لأجل الأحفاد، ولأجل الأمل في غدٍ أفضل.
هكذا، في قلب مدينة تل تمر، وفي متجر وضحة الحمد، تجد الإرادة الصلبة التي لا تقهر، وقوة الكفاح التي تصمد في وجه الصعوبات، هذا المكان هو رمز للثبات والإصرار، في مجتمع يعاني تحديات كثيرة، لكن يبقى الأمل فيها موجوداً، والمستقبل لا يزال يحمل الفرص رغم الصعاب كلها.
وكالة هاوار للأنباء