سيبان سلو
قد لا تكون شنكال منطقة جغرافية كبيرة، لكنَّ ما تحمله من معاني يمثل تاريخاً طويلاً من المقاومة والتنظيم، الذي أبدعه المجتمع الإيزيدي على مر سنوات من الوقوف في وجه الفرمانات وحماية الوجود والهوية، وسط تهديدات مستمرة بالإبادة. وكان آخرها عام 2014، حين تعرض الإيزيديون لأبشع مجزرة في تاريخهم الحديث.
على الرغم من مرور أكثر من عشرة أعوام على “الفرمان” الأخير في 3 آب 2014، الذي سجله التاريخ الإيزيدي كمجزرة تُضاف إلى 74 فرماناً (مجزرة) تعرض لها الإيزيديون، فقد ظلوا صامدين في وجه محاولات القضاء على وجودهم وثقافتهم. ورغم المآسي الكبيرة التي عايشها الإيزيديون على مدار تاريخهم، فإن شنكال اليوم تشهد محاولات جديدة من القوى التي كانت وراء مجزرة 2014، والتي تستهدف تقويض مفهومي المقاومة والتنظيم الذين تطورا بشكل ملحوظ في صفوف المجتمع الإيزيدي.
الإيزيديون، الذين يُعدون من أقدم الشعوب في ميزوبوتاميا، واجهوا عبر تاريخهم سعياً دائماً من القوى المحتلة والمحتقرة لإنهاء وجودهم الثقافي والديني. ثقافة الإيزيديين، التي تعود إلى آلاف السنين، تتمتع بجذور عميقة، ومن المستحيل الحديث عن صمودهم دون التطرق إلى مفهوم المقاومة الذي رافقهم عبر الأجيال. فبفضل المقاومة، تمكن الإيزيديون من حماية ثقافتهم وهويتهم، بالرغم من الفظائع التي تعرضوا لها من قتل وتهجير وخطف.
في 18 آذار 2025، وجه القائد عبد الله أوجلان رسالة إلى الإيزيديين، جاء فيها: “تاريخ شعبنا الإيزيدي مليء بالمجازر والهجرة والقمع، وقد مرّ هذا الشعب بتجارب صعبة، حيث يُعد الإيزيديون من أقدم المعتقدات وأقدم المجتمعات في ميزوبوتاميا. لقد قدموا تضحيات عظيمة لحماية ثقافتهم وهويتهم ووجودهم. إن المآسي التي عاشوها محفورة ليس فقط في ذاكرة شعبنا، بل في الضمير المشترك للإنسانية جمعاء.”
وأكد القائد عبد الله أوجلان في رسالته أن الإيزيديين، رغم كل شيء، حافظوا على وجودهم من خلال المقاومة. وأشار أيضاً إلى أن أي نهج لا يعترف بحرية المجتمع الإيزيدي أو يتجاهلها هو نهج غير مشروع، داعياً الإيزيديين إلى ضمان مستقبلهم وأمنهم من خلال التنظيم في أي مكان كانوا فيه.
إن الحديث عن المقاومة والتنظيم في شنكال يأتي في وقت حساس، حيث شنَّت قوات من الجيش العراقي في 18 آذار 2025 هجوماً على عربة لمقاتلي وحدات مقاومة شنكال في مركز قضاء شنكال، وأسرت خمسة مقاتلين، ولا يزالون قيد الأسر حتى اليوم، رغم جميع المناشدات من الإدارة الذاتية في شنكال وعوائل المقاتلين وأهالي شنكال. لكن هذا الهجوم ليس الأول من نوعه. فمنذ تحرير شنكال من مرتزقة داعش في عام 2015، شهدت المنطقة عدة هجمات من الجيش العراقي استهدفت قوات مقاومة شنكال وآساييش إيزيدخان.
وفي 4 آب 2014، شكل شباب وشابات شنكال وحدات مقاومة شنكال للدفاع عن منطقتهم. حيث أسهم مقاتلو قوات الدفاع الشعبي، ووحدات المرأة الحرة – ستار، ووحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة، في المعركة ضد داعش، بدءاً من خانصور وسنوني وصولاً إلى شلو وسيبا شيخ خدر وتل بنات.
بعد “الفرمان” الأخير، أدرك الإيزيديون أن المقاومة هي السبيل الوحيد لحماية أنفسهم، لذلك كان قرار تأسيس وحدات المقاومة نابعاً من شعور عميق بالمسؤولية. في شباط 2015، أعلنت شابات شنكال أيضاً تأسيس وحدات المرأة – شنكال، مما يعكس الوعي المتزايد بأن الدفاع عن شنكال ليس مجرد واجب، بل ضرورة حتمية.
الهجوم الأخير للجيش العراقي على وحدات مقاومة شنكال يُعد استهدافاً مباشراً للمجتمع الإيزيدي الذي كان في طليعة محاربة الإرهاب الذي اجتاح الأراضي العراقية. لذلك، يجب عدم النظر إلى هذا الهجوم لا على أنه مجرد حادث عرضي أدى إلى أسر عدد من المقاتلين، بل بوصفه هجوماً على الإرث الطويل من المقاومة التي تمتد عبر تاريخ الشعب الإيزيدي. وعليه، يجب على الحكومة العراقية تقديم اعتذار للشعب الإيزيدي، الذي ما زال ينبش القبور الجماعية بحثاً عن ضحايا هجوم مرتزقة داعش.
الخاتمة
رغم التحديات الجسيمة التي واجهها الإيزيديون جراء الفرمانات المتكررة، فإن مقاومتهم وصمودهم عبر العصور يعكسان قوة إرادتهم في الحفاظ على هويتهم الثقافية والدينية. وهذا ما يجب أن تأخذه الحكومة العراقية بعين الاعتبار في تعاملها مع ملف شنكال والإيزيديين. في الوقت الحالي، تجري محاولات للتعافي والعودة إلى الحياة الطبيعية، مع العمل على إعادة بناء ما دمرته الحروب والفرمانات، لتظل الثقافة الإيزيدية شاهدة على صمود شعبها في وجه العنف والاضطهاد.