قامشلو/ سلافا عثمان – في مشهد مسرحي استثنائي ومؤثر، عاد الفنان والمخرج المسرحي “معن دويعر”، أحد أبرز الأسماء المسرحية في محافظة السويداء، إلى خشبة المسرح في مدينة قامشلو بعد غياب دام أربعة وثلاثين عاماً، مقدّماً عرضاً في فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الشهيد يكتا هركول الذي نظمته حركة موزبوتاميا للثقافة والفن وكومين المسرح.
عندما تلتقي الذاكرة بالمسرح، تُولد لحظات لا تُنسى، هكذا كانت عودة الفنان والمخرج المسرحي “معن دويعر” إلى مدينة قامشلو بعد غياب طويل، لم تكن مجرد مشاركة في مهرجان مسرحي، بل كانت رحلة شوق إلى خشبة عرفها واحتضنته في بداياته، وبين دفء الاستقبال وصدق الرسالة التي حملها عرضه، تجددت الصلة بين فنان وجمهور، وبين مسرح وإنسان.
“إيجار”.. مسرح ضد الحرب
وجاءت هذه العودة في فعاليات الدورة السابعة من مهرجان “الشهيد يكتا هركول”، بمشاركة عدد من الفرق والمبدعين من مختلف المناطق، وحضور لافت من أهالي محافظة السويداء، وفي هذا السياق أوضح الممثل والمخرج المسرحي والكاتب “معن دويعر”: “إن هذه المشاركة ليست مجرد حضور في مهرجان، بل هي عودة إلى مدينة لها مكانة خاصة في قلبي وذاكرتي الفنية، إن هذه العودة محمّلة بالكثير من الرمزية والحنين، خاصةً بعد غياب دام أكثر من ثلاثة عقود عن خشبة مسرح قامشلو”.
وأضاف: “شاركتُ في مدينة قامشلو بعرض مسرحي عام 1991، واليوم أعود بعد كل هذه السنوات، ليس فقط لعرض جديد، بل للقاء جمهور لم يغب عن بالي، ومدينة لطالما كانت حاضنة للمسرح والفنانين”.
العرض الذي قدّمته فرقة محافظة سويداء باسم فرقة مديرية الثقافة، وحمل عنوان “إيجار”، وهو نص للكاتب العراقي المعروف “علي عبد النبي الزيدي”، عالج فيه أسئلة الحرب والهوية والفقد من منظور إنساني مؤلم، وقدّم “معن دويعر” رؤية إخراجية ذات بعد بصري ودرامي متقن، تولّى فيها أيضاً تصميم السينوغرافيا، وشاركت في الأداء الفنانة “فاديا أبو ترابي”، إلى جانب “حسام أبو راس” مساعد مخرج.
وأما رسالة دويعر في العرض فكانت واضحة وبسيطة: “لا للحرب، لا للعنف، لا لمزيد من الأمهات الثكالى، المسرح ليس فقط منصة فنية، بل منبر لنقول كفى للدمار، كفى للوجع، نريد حياة تليق بالإنسان”، قالها دويعر بلهجة من يعرف تماماً ما تختزنه هذه المنطقة من جراح وذكريات.
المسرح… جسر المحبة
ورغم سنوات الانقطاع عن زيارة المنطقة، إلا أن دويعر أشار إلى أن قرار المشاركة لم يحتج وقتاً طويلاً للتفكير: “حين وصلتنا الدعوة، قررنا المشاركة دون تردد، لما تحمله هذه الأرض من قيمة إنسانية وفنية لنا، ورغم بعض القلق الطبيعي الذي سببه طول الغياب والظروف السابقة، فإن ما وجدناه على الأرض كان مختلفاً تماماً”.
ووصف “دويعر” زيارته لمدينة قامشلو بأنها “محطة إنسانية بامتياز”، مشيداً بالأمان والاستقرار والتنظيم الذي لمسوه: “منذ اللحظة الأولى شعرنا بأننا بين أهلنا، فحفاوة الاستقبال، وجمال الروح، جعلتنا نشعر بأننا لم نغادر هذه الأرض يوماً”.
وعن مستوى المهرجان، أشار إلى أنه كان متابعاً سابقاً لدوراته عن بعد، لكنه لمس هذا العام تطوراً ملحوظاً: “ما شاهدناه من عروض، وما لمسناه من عمل جماعي على صعيد التنظيم والاستضافة، يعكس نضجاً كبيراً في إدارة هذا المهرجان، هناك خط بياني تصاعدي واضح، وهذا يسجل للقائمين عليه، الذين يعملون بجهد وتفانٍ للحفاظ على نبض المسرح في هذه إقليم شمال وشرق سوريا”.
واختتم الممثل والمخرج المسرحي والكاتب “معن دويعر” من محافظة السويداء حديثه بالتعبير عن أمله في استمرارية مثل هذه المبادرات الثقافية، وأن المسرح يبقى مساحة للتعبير، والحوار، والحياة، مهما كانت الظروف: “نتمنى لهذا المهرجان مزيداً من النجاح، ولمدينة قامشلو مزيداً من التألق الثقافي، المسرح ليس مجرد فعل فني، بل مساحة للناس كي تروي حكاياتها، وتصرخ بأحلامها، وها نحن نعود إليه، لنقول معاً لا زال في الحياة متسع للحب، والأمل، والمسرح”.