No Result
View All Result
المشاهدات 75
فوزي سليمان
التطورات العاصفة التي تجتاح العالم تجعل المتتبع لها يدخل في دوامة لا يمكن معها استيعاب وفهم الأحداث من الوهلة الأولى وقد يتوه في معمعتها الصاخبة، ورغم ذلك؛ فإنها تترك في أذهان الجميع هلع وخوف كبيرين، وخصوصاً عندما يتوقف صراع الوكلاء والتنحي جانباً، ليفسحوا السبيل أمام الأصلاء، وبمعنى آخر وإن صح التعبير أمام اللاعبين الأساسيين المتحكمين بهيمنتهم على السياسة العالمية، ولتوضيح الأمر بشكلٍ أفضل سوف نقوم بالاستشهاد بتحليل القائد عبد الله أوجلان، حيث أشار ومنذ منتصف الثمانينيات إلى الواقع الذي نمر به الآن في كتاب يحمل عنوان الوضع الراهن في الشرق الأوسط وطريق الحل إذ يتناول الأمر على النحو التالي – نتيجة للأزمة الدورية التي تعصف بالقوى المهيمنة على العالم ولعدم قيامها بحل قضايا الشعوب مع الأنظمة الحاكمة وكذلك حل قضية
الشعب الفلسطيني وعلى رأس تلك القضايا قضية الشعب الكردستاني، فإنها ستضطر للتدخّل بنفسها وبشكلٍ مباشر لحماية مصالحها – وفعلياً فإن ما نشهده اليوم هو مطابق تماماً لنفس التحليل، وهنا يمكننا تناول أهم التطورات التي حصلت في العقود الخمسة الأخيرة من القرن العشرين لتتوضح الصورة أفضل، فواحدة من تلك التغييرات الحاصلة على المستوى العالمي وخصوصاً الشرق الأوسطي والتي أثرت وبشكلٍ كبير على التوازنات العالمية، والتي فرضت تحولات وتغييرات فاعلة، هي انطلاقة حركة حرية كردستان بقيادة PKK لتخلط العديد من الأوراق والمخططات الإقليمية والدولية، الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر في مجمل القراءات السياسية العالمية، وإحداث تغييرات في الموازين السياسية والعسكرية وعلى الصعيديين الشرق الأوسطي والعالمي، ورغم استهداف الحركة من قوى الهيمنة العالمية من خلال الأنظمة المستعمرة لكردستان وعلى رأسها تركيا، استطاعت رغم كل شيء إيصال قضية الشعب الكردستاني إلى مستويات متقدمة وجعلها على جدول أعمال العديد من الأوساط الفاعلة سلباً أو إيجاباً على حدٍّ سواء، في حين كان يعتقد الجميع (الأعداء والأصدقاء) على حدٍ سواء بأنه لن تقُم للكرد قائمة بعد المجازر التي ارتُكبت بحقه في جميع أنحاء كردستان وإعدام قادة الثورات في شمال وشرق كردستان، فالانطلاقة التي حققتها حركة حرية كردستان كانت بمثابة الولادة الجديدة للشعب الكردي، وإلى جانب ذلك كان لانهيار الاتحاد السوفيتي وحربي الخليج الأولى والثانية، بالغ الأثر في عموم المنطقة والعالم، حيث تشكّل فراغاً كبيراً في عموم موازين القوى مما أتاح المجال أمام القوى الناشئة وأعطى فرصة للتوسع والبحث عن موطئ قدم لها في الأسواق وعن مصادر الطاقة والمواد الخام وخصوصاً الإفريقية والشرق الأوسطية لتصطدم بشكلٍ مباشر بمصالح القوى المهيمنة على هذه الساحات التي تعتبرها مناطق (نفوذ كلاسيكية) إن صح التعبير للقوى المهيمنة، وعلى رأس تلك القوى هي إيران وتركيا اللتان توجهتا إلى التوسع في الشرق الأوسط وإفريقيا مستغلتين الأوضاع السائدة آنذاك، ولقد بات ذلك أكثر تسارعاً خلال الأزمة التي رافقت ثورات ربيع الشعوب، وكأنهما (تركيا وايران) في سباق محموم لفرض نفوذهما في العديد من البقع الجغرافية والاستحواذ على زمام الأمور فيها مثل سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا…. وإلخ، ناهيك عن إن هذا التطور الكبير الذي شهدته الصين تكنولوجياً واقتصادياً والتي أضحت الند الطبيعي – بحسب قانون السوق والربح التنافسي – لأمريكا والغرب، ولتشكل تهديداً مباشراً لهما، وكما استطاع الروس بشكلٍ من الأشكال إعادة بناء قوتهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لتدخل هي الأخرى على خطِ منافسة الأسواق المتأزمة والمتناحرة بالأساس بين القوى التي تم ذكرها، لتتحول إلى أشكال أكثر تعقيداً وتأزماً وتتجه بسرعة إلى المواجهة المباشرة التي يتجنبها الجميع، وفي الوقت عينه يبدو ورغم التناحر بينهم إنهم مُتفقين أو على الأقل يغضون الطرف عن إبعاد القوى الناشئة وبالقوة العسكرية والاقتصادية عن طريقهم وإيران وتركيا خير مثال على ذلك. ويبدو إنه لا مفر أمام الكثيرين بسبب السياسات المتعددة وذات الطابع الاستغلالي المبني على المراوغة والخداع، من اجتياح الغرغرينا لها كما وصفها القائد عبد الله أوجلان وخصوصاً الأنظمة التي لم تُجرِ تحولات نحو حل القضايا التي تعاني منها وبنفس قضايا شعوبها التي لا تقبل التأجيل.
فتركيا التي لا تزال تلعب على التوازنات والخلافات الدولية منذ مائة عام، أوقعت نفسها في مواقفٍ لا تُحسد عليها، وليس أمامها سوى خيارين لا ثالث لهما أما القبول بحل القضية الكردية دستورياً وقانونياً والتي ستكون في الوقت عينه حل لجميع القضايا التي تعاني منها والانعتاق من الأزمة القاتلة التي تعاني منها ويتم استغلالها واستنزافها بها، أو لا مفر من أن تفعل الغرغرينا فعلها، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لإيران عن تركيا، التي أضحت في فوهةِ القوى المهيمنة على السياسة العالمية مباشرة، وبنفس الشكل؛ فإن تجنب ذلك يتم فقط في المصالحة الفعلية مع شعوبها وحل قضية الشعب الكردستاني الذي يتجاوز العشرين مليون، من خلال السلام والحرية والديمقراطية ولا سبيل آخر غير ذاك، لأن العصر الذي نحن فيه لا يقبل سوى ذلك.
No Result
View All Result