زكي بدران
تركيا دولة لها أهداف ومصالح واسعة في الشرق الأوسط بذريعة محاربتها الكرد، فقد أرسلت جيشها إلى العراق وسوريا، والآن هي تحتل عسكرياً مناطق مهمة في جنوب كردستان. بَنت فيها عشرات القواعد العسكرية، حتى أن السلطة العراقية لم تتمكن من جلاء قواتها وإخلاء القاعدة العسكرية في بعشيقة. بل وعلى العكس من ذلك، وسعت تركيا احتلالها هناك بشكل دائم. لا تقتصر أنشطة تركيا في جنوب كردستان والعراق على هذه المواضيع فقط. فهي تدعم التركمان هناك وتنظمهم، وتدربهم على أسس رجعية وعنصرية. فهي تستخدمهم في كركوك، والعراق من أجل أهدافها الخاصة أيضاً. لقد حولت جنوب كردستان إلى سوق اقتصادي مفتوح. كما أنها تتابع أنشطتها على السُنّة، وفي كثير من الأحيان تتدخل في الشأن الداخلي للعراق.
كما نفذ الجيش التركي عمليات احتلال في سوريا لحرمان الكرد من القوة، ومنع حصولهم مكانة شرعية. ومن أجل ذلك عقدت الاتفاقيات، مع داعش، ومع العديد من القوى.
وإلى جانب العراق فقد احتلت مناطق سوريا مثل عفرين، وسري كانيه وكري سبي. وباشرت بأعمال الإبادة العرقية ضد الكرد. كما أنها قامت بحماية جبهة النصرة، فوصل بها إلى حد الدولة في إدلب. ومع مرحلة آستانا، قامت ببناء جبهة ضد الكرد. فأوقفت روسيا وإيران، ودعمت هيئة تحرير الشام، وتسببت مؤخراً بسقوط نظام البعث، وخروج إيران من سوريا. لقد أصبح الوجود الروسي في سوريا مهدداً، وضاق حيز تحركه كثيراً. فبعد سقوط نظام البعث، عقدت الدولة التركية صفقة مع هيئة تحرير الشام، وشنت هجمات متعددة الأطراف ضد الكرد والإدارة الذاتية، واحتلت الشهباء، ومنبج، وتل رفعت.
لقد فشلت هجومها منذ شهور على سد تشرين. لقد كانت القوى التركية تهدف إلى تدمير الإدارة الذاتية بالكامل، وإبادة الكرد في مجازر. فهي تعمل جاهدة على فرض سلطة هيئة تحرير الشام على سوريا كاملة، فأخضعت هذه السلطة المؤسسة حديثاً لنفوذها. وعينت موظفيها في الوزارات، وتعمل على تأسيس وتدريب الجيش السوري. وتخطط بهذا الأسلوب، ضمان تأثير وسيطرة هيئة تحرير الشام على كل سوريا لوقت طويل. فهي تسعى إلى تنظيم دولة شديدة المركزية على أساس ديني. فقد دعمت، بشكل كامل، دستوراً رجعياً، ظالماً وأحادياً يتخذ من الدين مرجعية، على حساب دستور حرٍ وديمقراطي. وأعرب مسؤولوها دعمهم للحكومة المؤقتة المشكلة الآن بكل السبل. ومن جهتها قامت هذه الحكومة، بالرغم من التحذيرات والتوقعات، بإقصاء الشعوب السورية المنظمة، فشكلت هيئة تحرير الشام الحكومة بمفردها.
تركيا لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها في سوريا. ولا من يوجد من يضغط عليها ويطرح هذه القضية على جدول أعماله. هيئة تحرير الشام ليست في وضع يسمح لها بفتح فمها. ولم تعد تركيا راضية بهذا. وهي تعمل على بناء قواعد عسكرية جديدة في سوريا.
في الآونة الأخيرة ازدادت الهجمات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية. وقد عُلم أنها مرتبطة ببناء القواعد التركية الجديدة. وتعارض إسرائيل إقامة دولة بقيادة هيئة تحرير الشام في سوريا المجاورة. وتعدُّ هيئة تحرير الشام مرتزقة إرهابية قائمة على أيديولوجية دينية. وتصف نفوذها بـ ـ تهديد لأمن إسرائيل. وكما هو معلوم فإن إدارة أردوغان دعمت الإخوان المسلمين في الشرق الأوسط، وعززت علاقتها بهم. كما أنها دعمت حركة حماس؛ ما سبب نشوء أزمة بينها وبين إسرائيل. وأثارت محاولات هيئة تحرير الشام تأكيد هيمنتها على سوريا غضب إسرائيل. ما عدا ذلك، تحاول تركيا بناء قواعد عسكرية في بعض المطارات. وبدورها قصفت إسرائيل هذه المطارات والحواجز. وحذرت تركيا بشكل علني. وكما هو معروف، أعلنت إسرائيل بأنها ستغير التركيبة السكانية في الشرق الأوسط. وفي هذا الخصوص، حيدت حزب الله وحماس. وكانت الأساس في سقوط نظام البعث أيضاً. لقد استهدفت حزب الله وإيران على الدوام في سوريا. وعندما فقدت هذه القوى تأثيرها، فقد نظام البعث دعمه ثم سقط بعد حين. لا تريد إسرائيل التي خلقت هذه النتيجة، أن تستولي تركيا على مكتسباتها. فالشرق الأوسط يُعاد تصميمه من جديد بقدر ما يضمن أمن إسرائيل. تركيا ليست بمنأى عن هذه الحقيقة. إلا أنها تسعى لاستغلال وجود هيئة تحرير الشام وملء الثغرات لتعزيز وتوسيع أهدافها، ومصالحها في سوريا. فهي تتحرك ضد إسرائيل. وقال حقان فيدان: “لا نريد مواجهة إسرائيل”. إلا أن إسرائيل تتحرك بوضوح وحسم في هذه المواضيع. وتريد القضاء على البنى التحتية في سوريا.
تسارع تركيا الخطوات في الشرق الأوسط. وتتوافق ذهنية أردوغان مع هيئة تحرير الشام والإخوان المسلمين. وتستخدم القوة وتنشر القوات ضد الدول الجارة. صحيح إن إسرائيل ليست دولة ضعيفة مثل العراق وسوريا، إلا أن تركيا لا تريد التخلي عن سوريا. سيلعب أردوغان دوره حتى النهاية في هذا الصدد. وستصبح سوريا مصدراً للأزمات أيضاً. لقد أصبحت تركيا مصدراً للنزاعات والأزمات في المنطقة. فيجب ألا نحيد هذه الحقيقة. فهي تعمل على قمع الحركات المجتمعية والديمقراطية، وتشجع على العنصرية وتدعم الأنظمة والحركات الدينية المتعصبة. ومن هنا يأتي صمتهم تجاه المجازر ضد العلويين، ودعمهم هيئة تحرير الشام.