روناهي/ تل حميس ـ في قرية “كاخورته”، الواقعة جنوب مدينة تل حميس، يعيش المعمر “محمد حميد الصويلح”، الذي تجاوز عمره 125عاماً ولا يزال يحتفظ بذاكرة حية، تسرد حكايات عن أزمنةٍ وأحداثٍ عظيمة شهدتها المنطقة، ابتداءً من الحكم العثماني مرورًا بالانتداب الفرنسي، ووصولًا إلى مرحلة الانقلابات في سوريا وإلى يومنا هذا.
“محمد حميد الصويلح”، معمر يقطن في قرى تل حميس الجنوبي، إنه ذاكرة عاصرت الاحتلال العثماني والحياة البدوية في ريف تل حميس الجنوبي، وعلى الرغم من تجاوزه سنه 125عاماً، ألا أنه لا يزال قادراً على المشي والتواصل مع الآخرين بشكل جيد.
نشأته
ولمعرفة المزيد عن حياة المعمر “محمد حميد الصويلح”، زارت صحيفتنا “روناهي” منزله الواقع في قرية بسيطة” كاخورته”، وهي إحدى القرى الواقعة جنوب مدينة تل حميس، حيث حدثنا عن بدايات القرن العشرين بوضوحٍ وكأنها الأمس القريب: “في بدايات القرن العشرين، كانت قرية (كاخورته) منطقة نائية، خالية من البيوت السكنية، ولم يوجد فيها لا طرق ولا وسائل نقل حديثة”.
وتابع: “في الماضي كان سكانها يعتمدون على الحمير وسيلة نقل إلى الأسواق والأماكن البعيدة، وكانوا يقطعون أيامًا طويلة للوصول إلى بارا في العراق أو نصيبين في تركيا لجلب احتياجاتهم الأساسية من طحين وتمر وغيره”.
وأضاف: “وكانت مدينة قامشلو آنذاك، عبارة عن منزل وطاحونة واحدة، تعمل عن طريق المياه، ومدينة الحسكة، فلم يكن يوجد فيها غير منزلين فقط، أما مدينة تل حميس فكانت مجرد بادية خالية تماماً من المباني السكنية”.
معاصرته الحكم العثماني والفرنسي
ومع نهاية الحكم العثماني في أوائل القرن العشرين، دخلت الجزيرة تحت الانتداب الفرنسي آنذاك، ثم بدأت تظهر معالم التغيير تدريجيًا، لكن الحياة في الريف بقيت بسيطة سنوات طويلة، حيث قال الصويلح: “حاول الفرنسيون إدخال بعض التطورات، مثل شق الطرق وبناء المدارس، إلا أن تأثيرهم كان محدودًا في القرى النائية مثل (كاخورته)، حيث كانوا يبنون في المدن، أما نحن في الريف، فلم نرَ إلا القليل، وبقينا نعتمد على الزراعة وتربية المواشي، ولم تصلنا الكهرباء أو المياه إلا بعد سنوات طويلة”.
زمن الانقلابات العسكرية
وبعد الاستقلال السوري عام 1946، بدأت مرحلة جديدة مليئة بالاضطرابات السياسية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بالبلاد، فكانت حديث الجميع، لكنها لم تُحدث تغييرًا كبيرًا في حياة القرى النائية في ذلك الوقت. حيث أشار الصويلح، بأن “أخبار الانقلابات كانت تصلهم متأخرة، عن طريق المسافرين العائدين من المدن، فقد كنا بعيدين عن السياسة، لكننا كنا نشعر بتأثيرها بشكل غير مباشر”، مضيفاً: “فالحياة كانت بسيطة آنذاك، حيث كان أكبر همنا هو توفير الطعام والماء لعوائلنا”.
التطورات التي شهدتها المنطقة بين الماضي والحاضر
ومع مرور العقود، بدأت الجزيرة تشهد تحولات عميقة، فالحسكة، التي كانت تتألف من منزلين فقط، أصبحت مدينة كبيرة تضم آلاف المنازل والأسواق والمستشفيات، أما قامشلو التي كانت مجرد منزل واحد، فتحولت إلى مركز اقتصادي وثقافي حيوي، والطرق الترابية التي كان يقطعها السكان على الحمير أصبحت معبدة، والسيارات والشاحنات أصبحت الوسيلة الرئيسية للتنقل.
حيث قال الصويلح: “لم أكن أتخيل أن أرى هذه التغيرات، فكنا نسافر أيامًا لجلب المؤن من الأسواق البعيدة، أما اليوم، يمكن لأي شخص أن يشتري كل ما يحتاجه من أقرب محل في غضون دقائق”.
وتابع: “ورغم التطورات الكبيرة، لا تزال قرية (كاخورته) تحتفظ ببعض ملامح الماضي، فلا تزال الزراعة نشاطًا رئيسيًا للسكان، لكن أدوات الزراعة تطورت بشكل كبير، فما زالت الكهرباء والمياه غير متوفرة، والأطفال يذهبون إلى المدارس بدلاً من الاعتماد على التعليم التقليدي القديم”.
وزاد: “فالحياة أصبحت أسهل، لكنني أشتاق إلى الماضي أحياناً، فكنا نعيش ببساطة، ونتعاون مع بعضنا، أما اليوم، فالتكنولوجيا جعلت كل شيء أسرع، لكنها أخذت منا جزءًا من روح الحياة القديمة”.
ذاكرة قوية وروح بسيطة
في زمنٍ تسوده التكنولوجيا والتطور السريع، يمثل المعمر “محمد حميد الصويلح” والذي تجاوز عمره 125عاماً رمزًا للارتباط بالماضي، وتذكيرًا بأن الحاضر الذي نعيشه اليوم هو نتيجة سنوات طويلة من الكفاح والعمل، ويمنحنا درساً عن صمود الإنسان أمام مصاعب الحياة والزمن.
وفي الختام يرى، المعمر “محمد حميد الصويلح”، بأن الزمن قد يتغير، لكن الإنسان يبقى كما هو، والبساطة، هي التي تجعل الإنسان يعيش بسلام وأمان.