نوري سعيد
إذا كان أردوغان يصرح أحياناً وبالأخص أثناء الحملات الانتخابية (إن الكرد إخوة لنا) فمثل هكذا تصريحات ليست بذات جدوى، إذا لم تقترن بالأفعال، والقول بأن “جتين” وزير خارجية تركيا الأسبق و”فيدان” وزير الدفاع الحالي كرديان فهذا لا يكفي للقول بأننا إخوة، لأن أحدا منها لم يتجرأ التقرب من المسألة الكردية، وإذا كان الكرد إخوة للأتراك لما صرح أردوغان “لو نصب الكرد خيمة لهم فوق القمر سوف نحطمها” وهنا نقول: “يا هيك إخوة يا بلا”! وطبعاً ما يقوله أردوغان. شبيه ما كان يردده أتاتورك في حروبه الغازية، حيث كان يلبس الزي الكردي ويتقرب من الزعماء الكرد ويقول “تركيا شراكة بين الترك والكرد” وعندما انتصر ذاق الكرد الأمرّين، وإذا دل هذا على شيء إنما يدل أننا نحن الكرد صادقون مع الآخرين وحتى في السياسة نتبنى السياسة الأخلاقية، بينما النظام التركي يتبنى سياسة الدجل والنفاق والمراوغة واللعب على أكثر من حبل،
فالأتراك عندما استعان بهم الخليفة العباسي المعتصم ضد خصومه، استغلوا الفرصة فيما بعد وانقلبوا عليهم واستلموا السلطة، وهم الآن يمارسون السياسة نفسها في كثير من دول المنطقة، وتركيا تصرح بأنها لا يمكن أن تجلس وتتحاور مع أي معارضة تقف في وجهها بدليل عندما أطلق القائد عبد الله أوجلان مبادرته للسلام، فالوفد الذي زار إِمرالي كان كردياً ولم يضم أي مسؤول من حزب الحركة القومية أو حزب العدالة والتنمية مع أن بهجلي كان قد صرّح بالسماح للقائد عبد الله أوجلان بإلقاء كلمة في البرلمان التركي، وطبعاً لاقى تصريحه القبول من أردوغان، هذا يعني أن تركيا لا تزال تتمسك بمبدأ الاستعلاء القومي وإنكار الجلوس مع الآخر، علماً بأن القائد عبد الله أوجلان طلب مباشرةً من حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح والدخول في عملية السلام مع تركيا كبادرة حُسن نيّة، أما تركيا لم تخطو أية خطوة في هذا السياق، وقد تسمح فقط للقائد حضور مؤتمر الحزب المزمع عقده قريباً، هذه هي تركيا التي تتشدق ليلاً ونهاراً بالعلمانية والديمقراطية، وبأنها هي وإسرائيل الدولتان الديمقراطيتان الوحيدتان في المنطقة، مع إن اسرائيل دمّرت غزة عن بِكرة أبيها بحجة ما أقدمت عليه حماس في ما أسمته عملية طوفان الأقصى، وتركيا زجت بالبرلماني الكردي صلاح دميرتاش ورفاقه في السجن لأنه انتقد تدخّل تركيا في شأن الجارة سوريا، من هنا نقول على تركيا أن تُدرِك بأن الكرد قد أصبحوا رقماً لا يمكن تجاوزه في المنطقة، وهم شركاء في التحالف الدولي ضد داعش واستطاعوا إلحاق الهزيمة العسكرية بهذا التنظيم الإرهابي، هذا من جهة ومن الجهة الأخرى إن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تنفذه أمريكا في المنطقة بدعمٍ عربي يُنصف المجموعات الإثنية، والطائفية والمذهبية المظلومة والمحرومة من حقوقها، ولا بد من أن يعم السلام وهذا ما يدعو إليه الرئيس ترامب لأن الشعوب أنهكتها الحروب وآن لها أن ترتاح، والاحتجاجات التي تعمُّ تركيا حالياً هي نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة وكما يبدو ستكون بداية النهاية لحزب العدالة والتنمية الذي استلم السلطة منذ 2002 وحتى الآن.