الدرباسية/ نيرودا كرد – أكد الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد، أن ما سمي بالإعلان الدستوري جاء مخيبا لآمال وتطلعات الشعب السوري، وأشار إلى أن اجتماعهم الأول مع اللجنة المشكلة من سلطة دمشق ركز على ضرورة إعادة النظر في هذا الإعلان، لما فيه من إقصاء لحقوق الشعوب السورية.
شهدت الساحة السورية خلال الشهر الماضي حدثين متناقضين في جوهرهما، الأول كان توقيع الاتفاق بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وسلطة دمشق الجديدة من جهة أخرى، حيث أكد الاتفاق ضرورة ضمان حقوق السوريين كافة، في دستور عصري ديمقراطي يضمن إنهاء حقبة نظام البعث، التي اتسمت بالقمع والدكتاتورية، بحيث يتلاءم هذا الدستور مع التضحيات التي قدمها الشعب السوري على مدى 14عاما.
أما الحدث الثاني، فهو ما سمي بالإعلان الدستوري الذي أصدرته سلطة دمشق، والذي عاد ليرسخ الإرث السيء للنظام البعثي البائد، فجاء هذا الإعلان بلون واحد، مستبعدا الألوان السورية الأخرى، كما أعاد ترسيخ فكرة المركزية في إدارة شؤون البلاد، وذلك من خلال الهيمنة على السلطات الرئيسية الثلاث، وهي السلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والسلطة التشريعية، وأنكر هذا الإعلان حق الشعب في إدارة نفسه بنفسه، من خلال نظام حكم ديمقراطي لامركزي مبني على أسس الديمقراطية الحقيقية، يؤمن للأطراف حقها في إدارة شؤونها.
التناقض الصارخ بين الحدثين المعلنين، أثار العديد من إشارة الاستفهام حول مصير سوريا، ومستقبل شعبها، لأنه أعاد إنتاج النظام البائد تحت مسميات جديدة، ينذر بأن الأزمة في سوريا لن تنتهي، بل على العكس تماماً، قد تكون هناك موجة جديدة وعارمة ضد القرارات، التي تصدرها سلطات دمشق، بين الحين والآخر، التي تؤدي إلى زيادة التحديات والصعوبات أمام الحلول في سوريا.
الإعلان مخيب لآمال الشعب
وحول ذلك، التقت صحيفتنا مستشار الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد: إن “الاعلان الدستوري الذي أعلنت عنه سلطات دمشق، جاء مخيبا لآمال وطموحات الشعب السوري المتميز بتنوعه، السوريون كانوا يأملون بأن يمثل هذا الإعلان إرادتهم الحقيقية، بعد إسقاط النظام البعثي القمعي والاستبدادي، من حيث المشاركة والتمثيل في اللجنة، التي صاغت الإعلان الدستوري، وغيرها من اللجان والمؤتمرات التي عقدت من أجل الوقوف على ملامح المرحلة الانتقالية في سوريا”.
وأضاف: إلا أن “هذه الآمال أجهضت سواء في مراحل تحضير وعقد ما سمي بالمؤتمر الوطني أولاً، وثانيا في الإعلان الدستوري من حيث تشكيل اللجنة، وتعين أعضائها وما انبثق عنها من مضمون ومحتوى، ناهيك عن وجود إشكاليات قانونية، وإشكالية معرفية بعيدة عن الواقع الاجتماعي والسياسي السوري، وهذا ما خلق استياء واحتقاناً كبيراً لدى السوريين، بكل أطيافهم، لأن المرحلة الانتقالية وبناء مستقبل سوريا خطوتان مهمتان لمشاركة الشعوب والمكونات، كما يجب مشاركة المرأة السورية، في كل المجالات، وإن لم يتم تصويب الأخطاء التي تمر بها سلطات دمشق، لن تجد أي تقدم في رسم مستقبل سوريا”.
وتابع: “للحفاظ على مكتسبات الثورة السورية، لا بد أن يتم تضمين الحقوق المشروعة للجميع دستوريا، لكي يشعر السوري بواجبه الوطني تجاه سوريا وطناً، وأن يضمن ممارسة الجميع لنشاطاتهم الفكرية، والثقافية، والعقائدية، بشكل حر، بحيث تتوفر مساحة من الديمقراطية، لبلورة إرادة المجتمع ومطالبه، وتحديد صلاحيات السلطة، في إطار وظائف معينة بعيدة عن التدخلات المباشرة في حياة المواطن والمجتمع”.
وأردف: “منذ بداية تشكيل الجمهورية السورية، كانت دساتيرها تفتقر إلى هذه المعايير الديمقراطية، وإن اختلف بعضها في العديد من المراحل، إلا أن الدساتير، التي وضعت مع مرحلة الفكر القومي العربي، سواء الناصري، أو البعثي، كانت بعيدة كل البعد عما يفكر به الشعب، وعن التنوع والجوهر الديمقراطي، وعدم الاعتراف بالآخر، وإنكار الألوان الأخرى كانت قضية محورية في ظل الفكر القوموي، وبعد تلك الحقبة السوداء من المعاناة والقمع والاستبداد، لابد من أن يتجه التغيير نحو الانفتاح والمشاركة الأوسع نتيجة التضحيات والنضالات، التي خاضها الشعب السوري ضد فكر النظام المركزي، الذي يضع السلطات بأكملها في يد الرئيس”.
وزاد: “نرى أن هذا الإعلان الدستوري لا يتلاءم إطلاقا مع الحقيقة الاجتماعية السورية، ولا مع معايير هذا العصر، الذي يستند إلى جملة كبيرة وشاملة من المواثيق والمعاهدات الدولية، فيما يتعلق بالمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والمرأة، والمكونات العرقية، والثقافية، والقضايا الاجتماعية الأساسية، فإن المعيار الأساسي لتطور أي عملية دستورية، هو انسجام هذه العملية مع روح العصر وتضحيات الشعوب التي خلقت مستوى رفيعاً من الديمقراطية”.
إعادة إنتاج النظام البائد
و أشار: إن “تأطير عملية المشاركة الشاملة في العملية السياسية الانتقالية، وحصرها في إطار ضيق ذي لون واحد، سيؤدي إلى تعقيد المشهد السياسي أكثر، وإعادة إنتاج ممارسات النظام البائد، وهذا لن يؤدي إلى حل القضايا العالقة، ولن يرسخ الاستقرار والأمان في سوريا، وقد يتراجع المشهد إلى المربع الأول، وكما ذكرت سابقا، أن الأنظمة السابقة التي حكمت سوريا، لم تؤمن بتنوع المجتمع السوري، ولم تنظر إلى هذا التنوع كنوع من القوة، بل دأبت على الدوام لبث الفتنة والتفرقة وروح العداء بين الشعوب والطوائف، بهدف الاستفادة من هذه العداء والاستمرار في السلطة، ناهيك عن سياساتها الاقتصادية، والاجتماعية الاستثنائية، تجاه مناطق بعينها كالجزيرة السورية، الأمر الذي خلق فجوة كبيرة، اجتماعيا، واقتصاديا، بين مناطق سوريا المختلفة، لذلك، فإن الاستمرار في النهج ذاته تحت أي مسمى أو شعار لن يخدم الشعب السوري بأي شكل من الأشكال”.
وتطرق، جيا كرد، إلى التناقض الواضح بين ما سمي بالإعلان الدستوري، وبين الاتفاق الموقع بين قوات سوريا الديمقراطية، وسلطة دمشق: “الإعلان الدستوري جاء متعارضا مع مبدئيين على الأقل من مبادئ الاتفاقية التي وقعت بين إقليم شمال وشرق سوريا، ممثلة بالقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، وبين سلطات دمشق المؤقتة، ونحن في الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، قراراتنا واضحة تجاه حقوق الشعب الكردي، وباقي الشعوب، وعبرنا عن ذلك بطرق عدة سواء رسمية أو شعبية”.
واستكمل: “تطرق الاجتماع الأول بين اللجنتين التحضيريتين، لتطبيق بنود الاتفاق، وطلبنا إعادة النظر في هذا الأمر أي “الإعلان الدستوري”، وإلا سيشكل أحد العراقيل الأساسية أمام سير المفاوضات المقبلة، كما أن الاجتماع الأخير تمحور حول كيفية تشكيل اللجان وآلية عملهم، بالإضافة إلى الملفات التي سيتم تناولها، وتم تحديد موعد لبدء عمل اللجان مطلع شهر نيسان، من جهة أخرى، تم التطرق بشكل أساسي إلى موضوع وقف إطلاق نار شامل للبناء عليه، في بدء عمل اللجان، وكذلك التأكيد على متابعة ملف حلب وعودة أهالي عفرين والمناطق المحتلة الأخرى، في أقصر فترة زمنية ممكنة”.
وأوضح: “نحن في الإدارة الذاتية لدينا بدائل للعمل عليها وتقديمها في مسألة الرد على الإعلان الدستوري المذكور”.
واختتم، مستشار الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد: “القضية الأساسية في الوقت الراهن هي عودة المهجرين والنازحين، وإعادة النظر بالإعلان الدستوري المجحف بحق السوريين، لتحقيق طموحات وآمال السوريين، ولا نبحث عن بدائل أخرى كحلول وسطية، نحن واضحون في رؤيتنا للحل في سوريا. لذا، نتحرك في إطار وطني سوري جامع، يدعم وحدة الجغرافية السورية، ويدعو لحل الإشكاليات بالحوار السلمي، إلا أن ذلك لن يكون على حساب التنازل عن الحقوق أو المكتسبات، جهودنا في هذه الفترة ستكون مركزة على تحقيق ما نطمح إليه، وإن وجدنا أن الطرق مسدودة لتحقيق طموحاتنا سنبحث عن البدائل التي هي كثيرة طبعا، وسنعلن عن خياراتنا الديمقراطية في وقتها”.