علي زاخراني
مع اقتراب شهر رمضان من نهايته، تختلط في قلوب المسلمين مشاعر الفرح والحزن، فرح ببلوغهم هذا الشهر الكريم، وحزن على وداع أيامه ولياليه المباركة التي تفيض بالخيرات والبركات، لقد كان رمضان محطة إيمانية، تجدد فيها النفوس وتعلقت فيها القلوب بالله، فكيف لنا أن نختمه بأفضل صورة ونستقبل عيد الفطر بفرح القلوب ونقاء الأرواح؟
إن أيام الرحمة تودعنا، فرمضان مدرسة عظيمة تعلّمنا فيها الصبر والكرم والإحسان، تدرّبنا على التحكم في شهوات النفس وتقويم سلوكياتنا، ها هي لياليه تنقضي وأيامه تتوالى سريعة كلمح البصر، فهل أحسنا استثمارها كما ينبغي؟ علينا أن نتأمل في أعمالنا وأن نحاسب أنفسنا قبل أن نحاسب.
ومن أعظم ما نختم به رمضان، هو كثرة الدعاء والاستغفار، فلنرفع أكفّ الضراعة إلى الله، نسأله القبول والعفو عن التقصير، فقد كان النبي “صلى الله عليه وسلم” يكثر من قول: “اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك”.
إنها لحظات لا تقدر بثمن، فلا تبخل على نفسك بأن تسأل الله فيها الخير والقبول.
أيام قليلة ونستقبل عيد الفطر، ويأتي تتويجًا لهذه الرحلة الروحية، فرحة للمؤمنين بطاعتهم وقربهم من الله، إن العيد ليس مجرد فرحة بالمظاهر والاحتفالات، بل هو فرحة بنعمة الله على عباده بإتمام الصيام والقيام، نفرح لأننا قدمنا أفضل ما لدينا، ونسأل الله أن يكون قد تقبل منا صالح الأعمال.
لذلك، يجب ألا يكون رمضان مرحلة عابرة تنتهي بانتهائه، بل يجب أن يكون بداية لطريق جديد من الثبات على الطاعة، فلنحافظ على صلواتنا في أوقاتها، ولنستمر في قراءة القرآن، ولنحرص على الصدقة والإحسان إلى الناس، فرب رمضان هو رب الشهور كلها.
وفي ختام رمضان، تأتي صلة الرحم كواحدة من أهم مظاهر الاحتفاء بالعيد، فلنجعل من عيد الفطر فرصة لتوطيد العلاقات العائلية، وزيارة الأحبة والأصدقاء، ولنغتنم هذه المناسبة لنبذ الخلافات وإصلاح ذات البين، فالعيد فرحة لا تكتمل إلا بقلوب صافية ونفوس متآلفة.
إن فرحة العيد لا تكتمل إلا بمراعاة مشاعر الفقراء والمحتاجين، فلنتذكر زكاة الفطر التي تطهر الصائم وتدخل البهجة في قلوب المحتاجين، ولنجعل العيد فرصة لرسم البسمة على وجوه الأيتام والأرامل وكل من يحتاج إلى الدعم والمساندة.
وختامًا، فوداع رمضان ليس نهاية الخير، بل هو انطلاقة جديدة نحو الاستمرار في الطاعة، لنجعل ختامه لحظة عزيمة على الاستقامة والالتزام، ولنحيا بعده بروح رمضانية تُزهر في قلوبنا طيلة العام، هنيئًا لمن اجتهد وصام وقام إيمانًا واحتسابًا، وهنيئًا لمن بلغ ليلة القدر وكتب في صحائف المقبولين.
وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يعيد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في حال أفضل وطاعة أكمل.