رفيق إبراهيم
أثار اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، موجة عارمة من الغضب الشعبي، وإمام أوغلو، يحظى بشعبية كبيرة في تركيا، فهو الذي يدير بلدية إسطنبول الكبرى، لدورتين متتاليتين، وأيضاً يعتبر المنافس الأكبر لأردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فيما لو تم تعديل الدستور التركي، وحتى إن لم يعدل، فهو مرشح حزب الشعب الجمهوري الأوفر حظاً للفوز برئاسة تركيا، وخاصةً إن شعبية الحزب في تزايد، نتيجة تعامل أردوغان وحزبه مع الأوضاع العامة والخاصة في تركيا.
التطورات التي تحدث في تركيا، يتخوّف منها الجميع في تركيا، والكرد من ضمنهم، الذين يقولون إن اعتقال إمام أوغلو، قد يقوّض عملية السلام التي نادى لها المفكر عبد الله أوجلان، وأيضاً خلق صراع في تركيا قد تكون نتائجه كارثية على الشعب التركي بشكلٍ عام، وعلى عملية السلام والحل السياسي للقضية الكردية بشكلٍ خاص، كما إن ما يحدث في تركيا، يعادي الحريات والديمقراطية حيث تتحول السلطة فيها إلى الاستبداد، ما يضع العجلات في عملية المصالحة بين الشعبين التركي والكردي.
الشارع التركي مُحتقن لدرجةٍ كبيرة، وأي تصرف غير سليم مع قضية أمام أوغلو، ستكون نتائجه وخيمة على الداخل التركي، فمنذ اليوم الأول من الاعتقال، خسرت الليرة التركية المزيد من قيمتها، ما يُنذر بكارثة اقتصادية وشيكة وغير محمودة العواقب، والشعب التركي بمختلف أطيافه يؤكد أن ما يحدث، انقلاب على الديمقراطية في البلاد، وسيفقد أردوغان ثقة الناس به لدرجةٍ كبيرة.
الاتهامات الموجهة لرئيس بلدية إسطنبول الكبرى، تبدو وكأنها غير منطقية، ومنها ما تتعلق بتقديم الدعم لحزب العمال الكردستاني، ويعتمد هذا الاتهام على أن إمام أوغلو، كان قد تحالف مع حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، في الانتخابات التي جرت في العام المنصرم، وأدت إلى خسارة تحالف أردوغان بهجلي، الكثير من البلديات، وهذا الاتهام باطل ولا أساس له من الصحة، لأن القانون التركي نفسه يؤكد على وجود التحالفات بين الأحزاب السياسية، لخوض أي انتخاب إن كان للبرلمان أو البلديات أو حتى الانتخابات الرئاسية، والقضاء التركي يناقض نفسه في قضية أمام أوغلو، ما يجعل هذا الاتهام باطل من جذوره.
أردوغان يحاول الاستثمار في تحقيق المصالحة مع الكرد، من أجل تعديل الدستور وخوض انتخابات رئاسية ثالثة، والقانون التركي بوضعه الحالي لا يسمح لترشحه للمرة الثالثة، ما لم يكن هناك انتخابات مبكرة، أو تعديل لبنود الدستور المتعلقة بالرئاسة التركية، وهو يعلم أن خوض عملية السلام مع الكرد في تركيا، سيقوي فرص فتح الأبواب أمام دعم المسار الذي يفكر به في إجراء أما الانتخابات المبكرة أو تعديل الدستور، وأحد هذه السيناريوهات، فقط يمكن أن يعطيه حق الترشح لولاية ثالثة في تركيا.
القائد عبد الله أوجلان، وجه دعوةً تاريخية لتحقيق الحل المستدام في تركيا، لكن هل أنقرة مستعدة بما فيه الكفاية للتوصّل للحلول مع الكرد، وهذه النقطة محل جدال واسع في تركيا والمنطقة بشكلٍ عام، وتركيا بمماطلتها تسعى لتحقيق غاياتها على الأرض دون التوصّل إلى السلام المنشود، ومن هنا نؤكد أن خيارات أردوغان قليلة وصعبة، وتأتي بالدرجة الأولى، التقرب من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، لأنه يحتاج لدعم أنصاره، في مسألة الحصول على الأصوات المطلوبة لتعديل الدستور، وبالتالي إعادة انتخابه رئيساً للبلاد للمرة الثالثة.
إن التطورات والأحداث الجارية في تركيا، تُهدد عملية السلام من جهة، وأيضاً تهدد الشعب التركي بأكمله فيما إن توسعت الأحداث، التي قد تتحول إراقة الدماء، عندها سيجد أردوغان نفسه في مأزقٍ ضيق، لا يمكنه الخروج منه، لذا سيحاول التحاور مع الكرد، وإن تعثرت المحادثات معهم، هناك احتمال لشن حملات هوجاء ضد أعضاء حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، وأيضاً تصعيد الهجمات ضد مناطق الدفاع المشروع.
اليوم هناك فرصة تاريخية أمام الدولة التركيّة، ورئيسها أردوغان، لتحقيق السلام بين الكرد والأتراك، وعليه ألا يفوّت هذه الفرصة الذهبية، وخاصةً أن هناك تأييد محلي وإقليمي ودولي، للخوض في الحل السياسي للقضية الكردية، وعلى الرغم من ذلك، هناك امتعاض حيال فرص النجاح والمصالحة، نتيجة المماطلة التركية في خوض عملية السلام، فمنذ النداء الذي وجهه القائد عبد الله أوجلان، ليس هناك أية بوادر انفراجة في الموقف التركي، وهذا ما يخلق نوعاً من الريبة والشك في مصداقية الدولة التركية للسير في عملية السلام المنتظرة.