د. يونس بهرام
احتفل الشعب الكردستاني هذا العام بعيد نوروز 2637 بزخمٍ جماهيري غير مسبوق، فقد غصّت ساحات كردستان في هولير والسليمانية ودهوك، مرورًا بـ (آمد) في شمال كردستان، كذلك مدن مهاباد وأورمية وسردشت إلى قامشلو في غربها، وحتى شوارع أوروبا، بملايين المحتفلين الذين حملوا شعارات الوحدة والحرية، وأشعلوا شعلة نوروز كرمزٍ للتجديد والانبعاث القومي.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ماذا بعد نوروز؟ هل سيلتقط الساسة الكردستانيون الرسالة التي وجهها الشعب في هذه الساحات؟ أم أنهم سيعودون إلى خلافاتهم وصراعاتهم المعتادة، وكأن شيئًا لم يكن؟
لم يكن نوروز هذا العام مجرد احتفال تقليدي، بل كان بمثابة استفتاء شعبي غير رسمي على تطلعات الكردستانيين، فقد أظهر حجم المشاركة والتفاعل الجماهيري أن الشعب الكردي، بمختلف مناطقه، كذلك في “الدياسبورا بات” أكثر وعيًا وإصرارًا على تحقيق الوحدة الوطنية، وتجاوز الانقسامات الحزبية التي تُعيق التقدّم السياسي والعسكري والدبلوماسي، إنها لحظة وعي سياسي جماهيري ونتاج تقدّم أولادهم وأبطالهم في ميادين المعارك الطاحنة ضد أعتى منظمات إرهابية عالمية كذلك تحرير وحماية المناطق الكردية ـ الكردستانية.
لقد بعثت الجماهير الكردستانية رسالة واضحة: “نريد توحيد الصف الكردي، ونريد قيادة تتماشى مع تطلعاتنا، لا أن تكون عائقًا أمامها، فالتطورات الإقليمية تفرض على الساسة الكرد مسؤولية تاريخية، تتجاوز المصالح الحزبية الضيقة، وتدفعهم إلى التفكير في حلولٍ استراتيجية تضمن مستقبلًا أكثر استقرارًا وأمانًا لكردستان.
حينما يُهنِئ الجميع بنوروز
من اللافت هذا العام أن العديد من الدول الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة وحتى تركيا بقيادة أردوغان، أرسلت التهاني إلى الشعب الكردي بمناسبة نوروز، بل إن إسرائيل، التي لطالما تعاملت مع القضية الكردية من منظور المصالح الجيوسياسية، أبدت اهتمامًا بهذه المناسبة. كما أن الجنوب السوري من إخوتنا آل معروف الدروز وحتى الساحل السوري، كذلك حي الأكراد وزور آفا كذلك، وحي المهاجرين وكافة فناني سوريا بكردها وعربها احتفلوا بنوروز.
المعادلة الكردية الجديدة.. الوحدة أم التشتت؟
من جهةٍ أخرى نوروز2637 لم يكن مجرد احتفال، بل كان تعبيرًا سياسيًا واجتماعيًا عن رفض الشعب الكردي للواقع الحالي، الذي تغلب عليه التجاذبات الحزبية والتشرذم السياسي، فقد بات واضحًا أن وحدة الصف الكردي لم تعد مجرد شعار، بل مطلبًا جماهيريًا لا يمكن تجاهله بعد اليوم. من جهة أخرى أتت أيضاً نتيجة تفاعلها مع التفاهمات ووحدة الرأي السياسية الكردستانية بين آمد وهولير والسليمانية وقامشلو.
لذلك، فإن الكرة الآن في ملعب القادة والساسة الكرد، فإذا لم يتعاملوا مع رسالة نوروز بجدية، وواصلوا سياساتهم القائمة على المصالح الفئوية، فإنهم يخاطرون بخسارة ثقة الشارع الكردي، الذي أثبت في أكثر من مناسبة أنه قادر على فرض إرادته.
ما بعد نوروز.. هل من خطواتٍ عمليّة؟
إذا أراد الساسة الكرد أن يكونوا على مستوى تطلعات شعبهم، فعليهم أن يتخذوا خطوات جادة بعد نوروز، وأهمها:
ـ تفعيل الحوار بين القوى الكردستانية: تجاوز الخلافات الحزبية وفتح قنوات تواصل جدية بين الأطراف السياسية المختلفة.
ـ بناء استراتيجية دبلوماسية موحدة: العمل على تحسين العلاقات مع القوى الإقليمية والدولية بما يخدم المصالح الكردية، بدلًا من الدخول في تناقضات غير مفيدة.
ـ تعزيز التنسيق العسكري بين القوات الكردستانية أي تحرك سياسي يجب أن يكون مدعومًا بقوة عسكرية موحدة، قادرة على الدفاع عن مكتسبات الشعب الكردي في كردستان.
ـ إشراك الشعب في صناعة القرار: يجب أن تكون هناك آليات حقيقية لإشراك الجماهير في القرارات المصيرية، من خلال مؤتمرات وطنية أو استفتاءات شعبية.
نوروز.. فرصة لا تتكرر
لقد منح نوروز 2637 الساسة الكرد فرصة ذهبية لإعادة ترتيب البيت الداخلي الكردي، وخلق نموذج سياسي جديد قائم على الوحدة والمصلحة القومية، لكن السؤال يبقى: هل سيتعلمون من درس نوروز؟ أم أنهم سيعودون إلى عاداتهم القديمة، حتى تأتي لحظة يدركون فيها أنهم أصبحوا خارج التاريخ؟