د. علي أبو الخير
ليس كل ما يُعرف يُقال؛ وليس كل ما يُقال صواب أو حقيقي؛ فعندما تشتعل فتنةً أهلية؛ يصبح البحث عن الحقيقة بعيد المنال؛ ولكن أيضاً يمكن وضع مقياس سياسي وطني يفرّق بين الصواب والخطأ بين الوطني والدخيل؛ وعندها نستطيع الحكم بما هو أقرب للحق.
وضع سوريا اليوم
الحقيقة أن سوريا منذ سقوط بشار الأسد وهي حُبلي بما يؤدي لفتنةٍ داخلية؛ لا نقول فتنة طائفية، ولكن نعتقد أنها فتنة بين السلطة والمعارضة؛ وكل فريق يشهد على الآخر إنه مستبد أو إرهابي… إلخ.
من خلال ذلك يمكن الحكم بعرض رؤية الشعب السوري؛ وهو قسمان؛ الأول السوري الوطني بكل أطيافه وأعراقه؛ والثاني هو المحتل الجار الدخيل متمثلاً في الروح الاستغلالية التركيّة؛ لأنها هي من أججت الفتنة عام 2011 وتدخّلت واحتلت مناطق في شمال سوريا وموّلت وأشرفت على داعش واشترت منه النفط بأثمانٍ زهيدة؛ واليوم تركيا تُعيد نفس الدور الذي كانت تمارسه إيران في زمن بشار الأسد.
ومنذ أول شهر آذار الحالي 2025 اشتعلت الفتنة؛ حيث تقوم سلطة دمشق بارتكاب المجازر بحق العلويين تحت اسم محاربة فلول النظام.
فلول أم معارضة
وفي هذا السياق قالت وزارة الدفاع السوريّة، إنه منذ اندلاع العنف يوم الأحد السادس من آذار 2025، إنها بدأت تنفيذ المرحلة الثانية من العملية العسكرية التي تهدف إلى ملاحقة “فلول وضباط النظام البائد” في الأرياف والجبال بمدن الساحل السوري، وفي تصريحاته فجر الأحد 6 آذار 2025، قال أحمد الشرع إن الأحداث التي تشهدها البلاد، وتحديداً في منطقة الساحل، هي “تحديات متوقعة”، وشدد على “ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي والوحدة الوطنية”، مضيفاً “قادرون على العيش سوياً في هذا البلد بالقدر المستطاع”.
ولكن القتال ازداد شدةً وقتلاً وتنكيلاً؛ حيث ارتكاب الجماعات المسلحة المجازر بحق الطائفة العلوية، حيث تقطن الساحل الغربي لسوريا. واستمرت أعمال عنف بعد توترات عدة أيام في منطقة اللاذقية، هي الأولى بهذه الحدة.
شهادة المرصد السوري لحقوق الإنسان
يأتي هذا العنف والقتل في الوقتِ الذي أفاد فيه المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن عدد قتلى أعمال العنف والإعدامات والاشتباكات في الساحل السوري ارتفع إلى أكثر من “ألف شخص”، ووصف المرصد ما جرى في المنطقة بأنها عمليات “إبادة جماعية ممنهجة” ضد العلويين، متحدثاً عن توثيق مقتل أكثر من 2000 مدني على يد “قوات الأمن ومجموعات رديفة لها”
دور التدخّل التركي
مازالت تركيا الداعمة الأساسية للسلطة الانتقالية في دمشق، تنشر آلاف المرتزقة في الأراضي السوريّة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية أونجو كيتشيلي إن “التوترات في اللاذقية ومحيطها واستهداف قوات الأمن قد يقوض الجهود الهادفة الى قيادة سوريا نحو الوحدة والأخوّة” ، وحذّر من إن “مثل هذه الاستفزازات يمكن أن تُصبِح تهديداً للسلام في سوريا والمنطقة”. وذلك حق يراد به باطل؛ لأن دور تركيا دور مشبوه؛ فهي أول مفسد في سوريا؛ هي من يريد القضاء على خصوم النظام حتى بالإعدام في الشوارع.
دور الكُرد الوطني
هدأ القتال، ولكنه يظل هدوء ما يسبق العواصف؛ ويحتاج الأمر إلى حنكة وحكمة؛ وهو ما فعله الكرد؛ ففي المقابل دعا القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، مظلوم عبدي، الأحد السادس من آذار رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، إلى ضرورة محاسبة مرتكبي أعمال “العنف الطائفي” في المناطق الساحلية، متهماً المجموعات المدعومة من تركيا بـ “الوقوف في المقام الأول وراء عمليات القتل، وإن على الشرع التدخّل لوقف “المجازر”، قائلاً إن المجموعات “التي لا تزال تدعمها تركيا والمتشددون الإسلاميون” هي المسؤولة بشكلٍ رئيسي.
اما الإدارة الذاتية فقد رأت إن التعاون بينها وبين الإدارة السياسية في دمشق سيكون في مصلحة جميع السوريين، وسيُسهِم في تسهيل الخروج من هذه المرحلة العصيبة بنجاحٍ، وفقاً للبيان؛ وقد ثمنت الإدارة الذاتية الكردية الدور الإيجابي للدول العربية والأصدقاء في دعم الشعب السوري بكل مكوناته، وضرورة استمرار هذا الدعم لبناء سوريا الجديدة التي تضمن حقوق المكونات والأطياف، وفق أُسس ديمقراطية تؤسس أرضية مناسبة لإطلاق حوار وطني سوري شامل يشارك فيه الجميع
بشائر من الخير
ربما تأتي بشائر الخير في التقارب بين كرد سوريا وسلطة دمشق؛ فقد توقفت أعمال العنف؛ فمن البشائر أن أعلنت رئاسة الجمهورية التوقيع على إدماج قوات سوريا الديمقراطية قسد والحدود وحقول النفط والمطار في شمال وشرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة السوريّة؛ ووقّع على الاتفاق كل من أحمد الشرع ومظلوم عبدي.
وهو اتفاق نتفاءل به؛ خاصةً بعد الإعلان الدستوري؛ مع التحفّظ عليه وضرورة إعادة صياغته؛ لكن الأمر يحتاج من الكرد عدم الوقوع في فخ أردوغان؛ لأنه من يقود الساحة السوريّة وهو المعتدي الأول على كرد سوريا وتركيا؛ فلابد من الحذر؛ وأعتقد إنهم يعلمون ما نريد قوله…
نسأل الله تعالى أن يعمَّ السلام سوريا وكل الشعوب.