دلبرين بطال
تُعَدّ محافظة السويداء، الواقعة جنوبي سوريا، واحدة من أبرز المناطق التي حافظت على موقفها المستقل طوال سنوات الأزمة السورية، سكانها ينتمون بغالبيتهم للطائفة الدرزية. لذا؛ امتلكت السويداء خصوصية سياسية واجتماعية، جعلتها تختلف في تعاطيها مع المشهد السوري، حيث اختارت الحراك السلمي، رافضةً الانخراط في الصراعات الطائفية، أو العسكرية، التي حاول النظام فرضها على المجتمع السوري.
ومع التطورات الأخيرة، وسقوط نظام البعث، وتولي هيئة تحرير الشام، برئاسة أحمد الشرع حكم البلاد في كانون الثاني، 2025، دخلت سوريا مرحلة انتقالية حساسة، وبرزت معارضة أهالي السويداء للدستور الجديد المطروح، مؤكدين ضرورة ضمان حقوق السوريين، ورفض أي محاولات لتكريس الاستبداد بصيغ جديدة.
انتقادات واسعة للإعلان الدستوري
منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، اتخذت السويداء موقفًا متمايزًا عن بقية المحافظات، حيث خرجت فيها احتجاجات سلمية رفعت شعارات الحرية والكرامة، لكنها رفضت الانجرار إلى الصراعات المسلحة، وبالرغم من أن النظام السوري لم يتمكن من فرض سيطرته الأمنية الكاملة على المدينة، لكنه مارس سياسات التضييق الاقتصادي والاجتماعي، في محاولة لإخضاعها.
ورغم المحاولات المتكررة لإقحام السويداء في الصراع المسلح، إلا أن أبناءها حافظوا على موقفهم السلمي، مطالبين بحلول سياسية عادلة تنهي عقودًا من الاستبداد والتهميش، واليوم، مع استمرار المرحلة الانتقالية، يرفض الأهالي أي محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية، تحت مسمى الإصلاح السياسي أو الدستوري.
مع إعلان بدء مناقشات الدستور الجديد في شباط 2025، برزت انتقادات واسعة من القوى الوطنية في السويداء، التي رأت أن هذه العملية لا تزال تفتقر إلى الشفافية والتشاركية الحقيقية.
في بيان صادر عن الحراك الوطني الديمقراطي في السويداء، عبّر الموقعون عن رفضهم لدستور يُصاغ في ظل غياب الإرادة الشعبية الحقيقية، مؤكدين أن “أي دستور لا يضمن حقوق السوريين، ولا ينص على الفصل الحقيقي بين السلطات، سيكون استمرارًا للنهج القديم الذي ثار السوريون ضده”.
كما شدد البيان، على أن “الدولة السورية المستقبلية يجب أن تكون مدنية ديمقراطية، تضمن الحريات الأساسية، وتحمي التعددية السياسية والدينية، وتمنع تغوّل السلطة التنفيذية على بقية المؤسسات”.
قادة السويداء يتضامنون مع الشعب
في مقابلة مع أحد قادة الرأي في السويداء، شدد على أن “إسقاط رأس النظام لا يعني بالضرورة إسقاط الاستبداد، ما لم يتم تفكيك منظومته بالكامل وإقامة نظام ديمقراطي جديد، يضمن تداول السلطة والعدالة الاجتماعية”.
بدوره، أكد أحد شيوخ العقل في السويداء، أن “السويداء لم تكن يومًا جزءًا من مشروع الاستبداد، ولن تقبل بأي دستور لا يحترم إرادة السوريين، ولا يضمن حقوقهم السياسية والاجتماعية”.
من جهته، أشار ناشط سياسي بارز في السويداء، إلى أن “المسألة لا تتعلق فقط بالدستور كوثيقة قانونية، بل بالضمانات الفعلية لتطبيقه، لأن الدستور في سوريا كان مجرد حبر على ورق، بينما السلطة الحقيقية بيد أجهزة الأمن”.
رغم التفاؤل الحذر الذي يبديه البعض تجاه المرحلة الانتقالية، فإن هناك مخاوف حقيقية لدى أبناء السويداء، من أن تتحول هذه المرحلة إلى مجرد إعادة تدوير للسياسات القديمة.
أحد أبرز المخاوف يتمثل في احتمال فرض نظام سياسي مركزي، لا يمنح الأقاليم السورية، بما فيها السويداء، استقلالية إدارية حقيقية، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار التهميش السياسي والاقتصادي الذي تعاني منه المحافظة منذ عقود.
في هذا السياق، دعا أحد النشطاء في المدينة، إلى “تشكيل إدارة محلية قوية تكون قادرة على إدارة شؤون المحافظة بشكل مستقل عن المركز، ضمن إطار دولة ديمقراطية لامركزية تضمن العدالة والمساواة”.
مع دخول سوريا مرحلة جديدة، يعتقد العديد من أبناء السويداء بأنهم قادرون على لعب دور محوري في إعادة بناء البلاد، من خلال تجربتهم في الحراك السلمي والمطالبات المستمرة بالدولة المدنية.
أكد أحد قادة المجتمع المدني في المدينة، أن “السويداء ليست بمعزل عن بقية سوريا، وما نطالب به هنا، هو نفسه ما يطالب به السوريون في دمشق وحلب وقامشلو، والسلمية، ودرعا، الحرية، والعدالة، وإنهاء الاستبداد”.
وأضاف: “المرحلة القادمة تتطلب عملًا جادًا من القوى الوطنية لضمان أن التضحيات التي قدمها السوريون على مدار السنوات الماضية لم تذهب سدى، وأن النظام الجديد لن يكون مجرد وجه آخر للسلطة القديمة”.
قواسم مشتركة بين الكرد والدروز
مثلما تتمسك السويداء بحقوقها في العدالة والديمقراطية، فإن الكُرد في شمال وشرق سوريا، يخوضون نضالًا مشابهًا من أجل الاعتراف الدستوري بحقوقهم السياسية والثقافية.
وفي هذا الإطار، قال أحد الناشطين السياسيين الكُرد: “ما يطالب به أبناء السويداء، هو جزء من المطالب العامة لكل السوريين، الذين يريدون التخلص من الحكم المركزي المستبد، وبناء نظام سياسي ديمقراطي يضمن حقوق الجميع”.
بدوره، أكد أحد قادة الرأي في السويداء أن “النظام الذي أهمل السويداء لعقود، هو نفسه الذي أنكر الحقوق الكُردية، وأقصى السوريين كافة، لذلك، فإن أي حل مستقبلي يجب أن يكون شاملًا وعادلًا للسوريين جميعاً”.
وتمثل معارضة السويداء سلطات دمشق، والدستور الجديد، امتدادًا لموقفها الثابت من أجل الحرية والعدالة، فكما رفضت المدينة أن تكون جزءًا من الصراعات الطائفية، أو أدوات بيد السلطة السابقة، فإنها اليوم ترفض أي محاولات للالتفاف على مطالب السوريين، تحت أي غطاء كان.