دجوار أحمد آغا
الصراع التركي الكردي، المستمر منذ ولادة حزب العمال الكردستاني في 27 تشرين الثاني 1978، إلى يومنا هذا، خلّف الكثير من الشهداء والخسائر الفادحة لدى الجانبين، في ظل التعنّت المستمر من جانب الدولة التركية، وإصرارها على الحسم العسكري، على الرغم من نداءات السلام، والمبادرات العديدة، التي طرحها حزب العمال الكردستاني، ومؤسسه القائد عبد الله أوجلان.
هذا الصراع استفادت منه قوى الهيمنة العالمية، والقوى الفاشية التركية (الغلاديو)، التي ترى في هذه الحرب وجودها، لأنها ترفض فكرة وجود الكرد، كشعب أصيل في المنطقة، وعلى أرضه التاريخية، لأنه وبحسب رؤيتها، بمجرد اعترافها بالهوية القومية للكرد، يعني هذا الأمر نهايتها، لكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح، وقد توّج القائد عبد الله أوجلان، هذا الصراع بالنداء التاريخي، من أجل حل القضية الكردية، ليس فقط في تركيا، بل في بقية دول المنطقة.
الرسالة التاريخية للقائد عبد الله أوجلان
ولمعرفة مضمون الرسالة التي وجهها القائد عبد الله أوجلان، في السابع والعشرين من شباط 2025، سننشر نصها الكامل: “وُلد حزب العمال الكردستاني في القرن العشرين، الذي كان أكثر العصور عنفاً في التاريخ، في ظل حربين عالميتين، والاشتراكية الواقعية، وأجواء الحرب الباردة التي شهدها العالم، وإنكار الواقع الكردي، والقيود المفروضة على الحريات، وعلى رأسها حرية التعبير.
من الناحية النظرية، والبرامجية، والاستراتيجية، والتكتيكية، تأثر الحزب بالنظام الاشتراكي الواقعي في القرن العشرين، ومع انهيار الاشتراكية الواقعية في التسعينات لأسباب داخلية، وتراجع سياسة إنكار الهوية في البلاد، والتطورات التي شهدتها حرية التعبير، فقد الحزب أهميته، وأصبح يعاني من التكرار المفرط، ونتيجة لذلك، استكمل دوره مثل نظرائه، وأصبح حله ضرورة.
على مدى أكثر من ألف عام، سعى الأتراك والكرد، إلى الحفاظ على وجودهم والصمود في وجه قوى المهيمنة؛ ما جعل التحالف القائم على الطوعية ضرورة دائمة لهم، لكن الحداثة الرأسمالية، على مدار المائتي عام الماضية، جعلت هدفها الأساسي هو تفكيك هذا التحالف، وقد تأثرت القوى المختلفة بهذا الأمر، وسارت في هذا الاتجاه بناءً على أسس طبقية، ومع التفسيرات الأحادية للجمهورية، تسارع هذا المسار، واليوم، أصبح من الضروري إعادة تنظيم هذه العلاقة التاريخية التي أصبحت هشة للغاية، بروح الأخوة، مع مراعاة المعتقدات أيضاً.
لا يمكن اليوم إنكار الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي، إن تمكن حزب العمال الكردستاني، الذي كان أطول وأشمل حركات التمرد في تاريخ الجمهورية، من الحصول على القوة والدعم، كان نتيجة لإغلاق قنوات السياسة الديمقراطية، أما الحلول القائمة على النزعات القومية المتطرفة، مثل إنشاء دولة قومية منفصلة، أو الفيدرالية، أو الحكم الذاتي، أو الحلول الثقافية، فهي لا تلبي متطلبات الحقوق الاجتماعية التاريخية للمجتمع.
إن احترام الهوية، وحرية التعبير، والتنظيم الديمقراطي، وبناء الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكل فئة وفقًا لأسسها الخاصة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي ومساحة سياسية ديمقراطية.
لن يتمكن القرن الثاني للجمهورية، من تحقيق الاستمرارية الدائمة والأخوية إلا إذا تُوّج بالديمقراطية، فلا يوجد طريق آخر غير الديمقراطية في البحث عن أنظمة جديدة وتحقيقها، فالطريقة الأساسية هي التوافق الديمقراطي، كما يجب تطوير لغة تتماشى مع الواقع خلال فترة السلام، والمجتمع الديمقراطي، في ظل المناخ الحالي، الذي تشكل بدعوة السيد دولت بهشلي، والإرادة التي أظهرها السيد رئيس الجمهورية، والمواقف الإيجابية للأحزاب السياسية الأخرى تجاه هذه الدعوة.
أتوجه بالدعوة إلى التخلي عن السلاح، وأتحمل المسؤولية التاريخية لهذه الدعوة، وكما تفعل جميع المجتمعات، والأحزاب الحديثة، التي لم يتم إنهاء وجودها بالقوة، اتفِقوا على عقد مؤتمر واتخاذ قرار بالاندماج مع الدولة والمجتمع، ويجب على جميع المجموعات التخلي عن السلاح، وعلى حزب العمال الكردستاني أن يحل نفسه.
أبعث بتحياتي إلى جميع الفئات التي تؤمن بالعيش المشترك وتستجيب لندائي”.
موقف القوى والأحزاب الكردية والكردستانية
معظم القوى الكردية والكردستانية، رحبت بهذا النداء التاريخي وهذه الرسالة الهامة جداً، من أجل حل القضية الكردية في باكور كردستان، والتي ستؤثر بشكل كبير على الأجزاء الكردستانية الأخرى، في المقدمة كان هناك موقف لرئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، والذي زاره وفد إمرالي وأوصل إليه رسالة من القائد عبد الله أوجلان.
كان موقفه إيجابياً ورحب بالرسالة، واعتبرها خطوة هامة جداً من أجل الحل السلمي للقضية الكردية، في المقابل كان موقف رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، واضحاً وصريحاً في دعم هذه الرسالة واعتبارها تاريخية.
وأيضاً بقية القوى والأحزاب الكردستانية، في باشور كردستان، أيدت المبادرة واعتبرتها فرصة مهمة للغاية من أجل الوصول إلى حل نهائي للقضية الكردية، كذلك الأمر للقوى الكردية والكردستانية في روجهلات، وروج آفاي كردستان، جميع مواقفهم اتسمت بالإيجابية، وأكدت على دعم وتأييد مضمون الرسالة التاريخية.
موقف الحكومة التركية والقوى الدولية
الدولة التركية ولأول مرة تبدي ارتياحاً تجاه هذه الرسالة، التي لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة مفاوضات مستمرة لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر، بينها وبين القائد عبد الله أوجلان، وقد أكّد ذلك أردوغان، في أكثر من مناسبة، بعد صدور هذا النداء، حيث قال: “دون تأخير، وبعيدا عن الفتن والتوترات والاستفزازات، ودون الانزلاق إلى الممارسات الملتوية مثل تعقيد الأمور، أعتقد أننا سنحقق النتيجة المنتظرة، فيما يخص الوصول إلى تركيا خالية من الحروب”.
مضيفاً: “فلنتكاتف ونتخلص من الخنجر الذي طُعن في صدر الأخوة، التي تربط أمتنا منذ ألف عام، ولنخيب آمال أعداء تركيا مرة أخرى، ولنُفشل طموحات الإمبرياليّة، ونعمل معا من أجل إلقاء خططها القذرة في سلة مهملات التاريخ”.
الرسالة التي جاءت نداء من أجل إحلال السلام في تركيا، والمنطقة عموماً، لاقت ترحيباً واسعاً لدى مختلف القوى الدولية، فقد رحّبت بها الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الروسي، ومعظم الدول الأوروبية، بالإضافة إلى الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، واعتبرتها فرصة تاريخية من أجل إنهاء الصراع التركي ـ الكردي، والوصول الى حل سياسي عبر الحوار بين الطرفين.
كما لاقى النداء ترحيباً من جانب منظمة الأمم المتحدة، والتي عبّرت على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش، الذي رأى بأن النداء “بارقة أمل لتحقيق السلام”، كما أن سائر القوى الدولية، والمنظمات الرسمية، وغير الرسمية، التي رحبت بالنداء، دعت في الوقت نفسه، السلطات التركية إلى عدم تفويت الفرصة، والتعاطي الإيجابي مع المبادرة، من خلال القيام باتخاذ خطوات جريئة من شأنها أن تدعم هذه المبادرة، التي تُعتبر فرصة تاريخية غير مسبوقة من أجل تحقيق السلام والاستقرار والعيش المشترك بين الكرد والأتراك.
فرصة تاريخية لإحلال السلام في المنطقة
بالتأكيد؛ إن تم حل القضية الكردية في تركيا، والتوصل الى بناء مجتمع ديمقراطي حقيقي هناك، فسوف يؤثر بشكل كبير على مجمل المنطقة والشرق الأوسط والقضايا العالقة فيه، لأنه في ظل التغيرات الجوهرية التي يشهدها العالم عموماً، والشرق الأوسط على وجه الخصوص، فإن هذه الرسالة، تبدو واضحة جداً حيال المتغيرات التي حدثت، ويستشف المرء من خلالها، بأن القائد عبد الله أوجلان، قد قرأ الواقع بشكل صحيح وحلله جيداً. لذا؛ نرى بأن مضمون الرسالة وتوقيتها، في غاية الأهمية من أجل بناء شرق أوسط جديد، خالي من الحروب والقتل والدمار، وتُشكّل هذه الرسالة إضافة مهمة لجهود بناء الديمقراطية الحقيقية، وإرساء السلام في تركيا وكردستان وعموم الشرق الأوسط.
القائد عبد الله أوجلان، اختار طريق السلام، وهو يعمل جاهداً من أجل ذلك، رغم العزلة المفروضة عليه، لكنه لم يعمل بردة الفعل، بل على العكس من ذلك تماماً، أثبت أنه مفكر عظيم، وقائد تاريخي، من أجل إحلال السلام وتحقيق الديمقراطية للشعب الكردي والتركي، وعموم شعوب الشرق الأوسط، التي عانت الكثير من الظلم والجور والاستبداد من الأنظمة القوموية، عبر أجهزتها القمعية التي ارتكبت المجازر بحق هذه الشعوب.
خطوة ذكية وفي غاية الأهمية، قام بها القائد والمفكر الكبير عبد الله أوجلان، وفي الوقت المناسب، جعلت الأمور تنقلب رأساً على عقب، كي يبدأ مرحلة سلام تاريخية، من خلال هذه الدعوة التي أطلقها في المبادرة، ولإيصال مضمون المبادرة إلى بر الأمان، يجب أن تتوفر الأرضية القانونية والسياسية لذلك، وهو ما عبر عنه الحزب نفسه من خلال قبوله، بالنداء، وضرورة عقد مؤتمر تحت إشراف مؤسس الحزب القائد عبد الله أوجلان.