شيرا أوسي
لطالما كانت المرأة السورية شريكة فاعلة في بناء المجتمع، حيث لعبت أدواراً محورية في مختلف المجالات، بدءاً من التعليم والصحة وصولاً إلى الاقتصاد والثقافة. لقد أثبتت قدرتها على مواجهة التحديات والقيام بأدوار رئيسة في بناء أسرتها ومجتمعها، إلا أن سنوات الصراع الأخيرة ألقت بظلالها الثقيلة على واقعها، ما جعلها تواجه تحديات مضاعفة، لم تقتصر فقط على الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بل امتدت إلى النواحي السياسية والحقوقية. ومع ذلك، لم تتخلَّ عن دورها، بل بقيت صامدة، متمسكة بحقها في أن تكون جزءاً فاعلاً في إعادة بناء وطنها والمساهمة في تحقيق مستقبل أفضل لـ سوريا.
قبل اندلاع الصراع السوري، عانت المرأة من التهميش في العديد من المجالات، لا سيما في المجال السياسي. لم يكن للمرأة حضور قوي في دوائر صنع القرار، إذ كانت مشاركتها في الحياة السياسية محدوداً للغاية، حيث لم تتجاوز نسبة تمثيلها في البرلمان والمناصب الحكومية مستويات رمزية لا تعكس دورها الحقيقي في المجتمع. كما فرضت قوانين الأحوال الشخصية قيوداً صارمة عليها، ما منح الرجل سلطة أكبر في مسائل الزواج والطلاق والحضانة، وجعل المرأة تعيش في إطار قانوني واجتماعي لا يمنحها حقوقاً متكافئة، ومع أن المرأة السوريّة سعت إلى انتزاع حقوقها وتعزيز مكانتها في المجتمع، فإن التشريعات القائمة آنذاك لم تكن داعمة بشكلٍ حقيقي لمطالبها، ما جعل الطريق نحو تحقيق المساواة طويلاً وشاقاً.
مع اندلاع الصراع السوري، ازدادت معاناة المرأة بشكلٍ ملحوظ، إذ وجدت نفسها في مواجهة تحديات لم تكن تتخيلها. كانت من أكثر الفئات تضرراً من تداعيات الحرب، حيث تعرضت لشتى أنواع العنف والانتهاكات، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. كما تحملت أعباء النزوح واللجوء، واضطرت في كثير من الأحيان إلى لعبِ دور المعيل الوحيد للأسرة بعد فقدان الزوج والأبناء بسبب الحرب. إلى جانب ذلك، واجهت تحديات اقتصادية قاسية، حيث اضطرت الكثير من النساء إلى البحث عن فرص عمل في بيئات غير مستقرة، وهو ما شكّل تحدياً إضافياً في ظل تردي الأوضاع المعيشية وغياب السياسات الداعمة، وعلى الرغم من الظروف القاسية، أثبتت المرأة السوريّة قدرتها على التحمّل والصمود، وواصلت القيام بأدوارها داخل المجتمع رغم التحديات الجسيمة التي تواجهها.
وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي فرضها الصراع، لا تزال المرأة السوريّة مؤمنة بقدرتها على المساهمة في بناء سوريا الجديدة. تطمح لأن تكون شريكة فاعلة في إعادة الإعمار، ليس فقط من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، بل أيضاً في الجوانب السياسية والتشريعية. تسعى النساء السوريات إلى ضمان مشاركتهن الكاملة في صياغة الدستور الجديد، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بطريقة تضمن تمثيلاً عادلاً للمرأة في مواقع صنع القرار. كما تطالب بتعديل القوانين التي تميّز ضدها، وتعزيز دورها في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة. التعليم يمثل أحد الركائز الأساسية في تعزيز دور المرأة في المستقبل، إذ تحتاج إلى فرص متكافئة تمكنها من تطوير قدراتها والمساهمة في نهضة البلاد، بالإضافة إلى ذلك، فإن دورها في الاقتصاد يعد حيوياً، حيث يجب تمكينها من الوصول إلى سوق العمل بشكلٍ عادل، وتوفير بيئة تدعم ريادة الأعمال النسائية وتعزز استقلاليتها الاقتصادية، ومن الضروري أن تحظى المرأة بدعمٍ المجتمع المدني، حيث تحتاج المنظمات النسوية إلى بيئة قانونية تتيح لها العمل بحرية من أجل تعزيز حقوق المرأة وحمايتها من جميع أشكال العنف والتمييز.
على الرغم من كل الجهود المبذولة، لا تزال المرأة السوريّة تواجه العديد من التحديات التي تعرقل تمكينها الكامل. العنف والتمييز لا يزالان من القضايا الأساسية التي تعاني منهما، حيث تواجه العديد من النساء ظروفاً قاسية سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، وهو ما يتطلب وجود قوانين أكثر صرامة لحمايتهن وضمان حصولهن على حقوق متساوية.
الفقر والبطالة يمثلان تحدياً كبيراً أمامهن، خاصةً في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها البلاد، حيث تجد الكثير من النساء صعوبة في تأمين احتياجاتهن الأساسية أو إعالة أسرهن. كما أن الوصول إلى الخدمات الأساسية لا يزال يشكل عائقاً، حيث تعاني المرأة السورية من صعوبة في الحصول على الرعاية الصحية المناسبة والتعليم الجيد، ما يحد من قدرتها على تحسين ظروفها المعيشية والمشاركة الفاعلة في المجتمع.
إن تمكين المرأة السوريّة وضمان مشاركتها الكاملة في بناء المستقبل ليس مجرد مطلب حقوقي، بل هو ضرورة لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في سوريا. لا يمكن تحقيق التقدّم في البلاد دون إشراك المرأة في جميع جوانب الحياة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. يحتاج المجتمع السوري إلى تجاوز العقبات التي تُعيق تقدّم المرأة، والعمل على إيجاد بيئة تضمن تحقيق المساواة والعدالة للجميع. كما أن المجتمع الدولي مطالب بدعم جهود المرأة السوريّة، سواء من خلال تقديم الدعم الاقتصادي والتنموي أو عبر تعزيز السياسات التي تُسهِم في حمايتها وضمان مشاركتها الفاعلة. المرأة السورية ليست مجرد ضحية للصراع، بل هي ركيزة أساسية في إعادة بناء سوريا، ومن الضروري أن تحظى بالدعم اللازم لتحقيق تطلعاتها والمساهمة في صناعة مستقبل أفضل لبلدها.