بناز عثمان
إن التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وسوريا خصوصاً بعد حرب إسرائيل وحماس، وحزب الله لاحقاً في كل من غزة وجنوب لبنان وانهيار النظام السوري وحزب البعث، وهروب الأسد، شكّل بداية جديدة بعد حكم ديكتاتوري دام لأكثر من نصف قرن، تلك التطورات خلقت متغيراتٍ على صعيد المنطقة وخاصةً على الساحة السوريّة مع وصول هيئة تحرير الشام إلى دمشق واستحواذها على حكم البلاد وإعلانها حكومة مؤقتة من لونٍ واحد، تميزت بصبغتها الدينية الإسلامية المتشددة، والتي وقفت أمام ملفات ضخمة في ظلِّ بلدٍ مدمّر يفتقد إلى البنى التحتية الإنتاجية والاقتصادية، إضافةً إلى ملفات المناطق المحتلة من سوريا من قبل تركيا وسيطرة ومجموعاتها المرتزقة على مناطق عفرين وكري سبي وسري كانيه، وما نتج عن استمرار احتلالها من نزوحٍ وتهجير.
إن الأوضاع الجديدة تستوجب وجود رؤية دقيقة وعميقة لإيجاد الحلول السريعة الكفيلة بعودة الأمن والأمان، وتحسين الأوضاع المعاشية لمجمل السكان وضرورة تحرير المناطق المحتلة، والعودة الآمنة الكريمة للنازحين والمهجرين قسراً من مدنهم وقراهم، وذلك يتطلب خطوات وجهود جبارة من لدن السوريين، وخاصةً من منظمات المجتمع المدني والفعاليات الاجتماعية والأحزاب والسياسية، لوضع خطط وآليات التكامل بين المكونات المجتمعية، وتعزيز المشاركة الجماهيرية لتمتين التماسك المجتمعي وبناء الثقة بين الشعوب السوريّة على اختلاف مذاهبها وثقافاتها، والتي ترتكز إلى ثقافة الوطن السوري الواحد وإلى ثقافة التعايش والاحترام المتبادل، والتي تعتبر إرثاً سوريّاً غنياً تتشارك به عموم الشعوب السوريّة من عرب وكرد وسريان وعموم الشعوب الجميلة التي تُزيّن خريطة الوطن بتنوعها الثقافي والحضاري.
ومن هذا المنطلق؛ فإن الرؤية التي يتشارك بها معظم السوريين هي ذات الرؤية لحزب الوطن السوري الذي ينطلق من كونه حزباً سياسياً يمثّل شرائح واسعة ومتنوعة من النسيج السوري بعربه وكرده وسائر شعوبه ويؤمن بالحوار البنَّاء في معالجة الجِراح التاريخية وبناء الثقة، وخاصةً إن الإدارة الذاتية الديمقراطية نظام سياسي مجتمعي يعتمد أخوّة الشعوب مبدأً أساسياً ونموذج لتحقيق الوحدة المجتمعية مع اعتماده الروابط التاريخية بين الكُرد والعرب والسريان وغيرهم أساساً للتوافق والتشارك، رغم وجود بعض الأخطاء وضرورة معالجتها وتصويبها، وملء الفجوات بين الشعب والإدارة، كونها كلما كانت العلاقة بين الشعب والإدارة متينة كلما كانت الإرادة أقوى وأكثر صلابة في مجابهة التحديات الصعبة، وخاصةً التحديات التركيّة العدوانية التي تُهدد الاستقرار في المنطقة، وتشغلها عن ترتيبات الأوضاع الجديدة في دمشق وباقي المحافظات السوريّة، وانطلاقاً من هذه النقطة ينبغي تعزيز الحوار بين الشعوب المختلفة (الكرد، العرب، السريان، الأرمن وغيرهم ) من جهة، وتعزيز الحوار العربي – العربي والحوار الكردي – الكردي من جهة ثانية، من خلال تنظيم ورش عمل وحوارات مفتوحة تشمل ممثلين عن جميع الشعوب، لخلق التفاهم المتبادل والمستند إلى مصالح المواطن والشعب، ولتحقيق أفضل المكاسب والدفاع عن المكتسبات الوطنية وترميم البيت السوري الذي عانى من الانقسامات نتيجة السياسات الشوفينية والعقلية الأحادية التسلطية في حكم البلاد والعباد من قبل نظام الأسد البائد.
إن تعزيز دور المشاركة المدنية الفعالة في مجلس سوريا الديمقراطية التزاماً بالتنوع والمساواة، ومشاركة مسد كأحد أهم الجهات الوطنية التشاركية المجتمعية في الحوارات مع دمشق، والتمثيل العادل في صنع القرار، بما يضمن مشاركة واسعة من القاعدة الشعبية في المستوى الإداري الذي يعزز الشعور بالانتماء ويلغي حالة التهميش التي كان يتعرض لها معظم شرائح المجتمع وبكل شعوبه، وتبقى مهمة الأحزاب السياسية المساهمة الفعالة في رسم شكل الإدارة الجديدة والمشاركة في صياغة الدستور للبلاد، ورسم خطط تنموية اقتصادية التي من شأنها أن تضع البلاد على سكة صحيحة ومُبشرة في المستقبل القريب.
خاصةً وإن مناطق شمال وشرق سوريا تعتبر مصدراً حيوياً لاقتصاد سوريا (النفط، الغاز، الزراعة، موارد بشرية) وبالتالي فإن إنهاء العدوان التركي وعمليات الانتقام العشوائية والتي لا تستند إلى أي منطق قانوني خطوة هامة في تأسيس الاستقرار الذي يمهد الطريق إلى إحياء البنية التحتية في الحقول النفطية وتوزيعها بشكلٍ عادل بحيث يحقق الاكتفاء الذاتي لكل مواطن وتحقيق جزء هام من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن كل ما سبق يستلزم بناء الإطار القانوني وإقرار دستور ديمقراطي مدني يعترف بالتنوع والتعددية، ويضمن حقوق الشعوب السوريّة استناداً إلى إعلانات الأمم المتحدة ولائحة حقوق الإنسان العالمية، وبناءً على مقتضيات المصلحة العامة ومبادئ التعايش والسلم الأهلي، وأولى هذه الخطوات للسير نحو الوطن السوري والتي ينبغي للمؤتمر السوري العام التوقف عندها وبناء الثقة المتبادلة بين الشعب السوري والقيادة الجديدة ورسم مستقبل سوريا الجديدة، وملامح الطريق الوطني ينبغي البدء بالخطوات التالية:
– إيقاف التدخّلات والهجمات التركيّة على المدن والقرى في المناطق الحدودية، وإعادة المدن المحتلة، وعودة النازحين إلى مدنهم وقراهم الأصلية عودة آمنة، طوعيّة وكريمة.
– رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، وتحسين الخدمات العامة والتنمية الاقتصادية
– تعزيز الأمن من خلال تعاون المكونات المحلية مع قوات الأمن وقوات سوريا الديمقراطية.
– بناء نظام اللامركزية الذي يمنح صلاحيات واسعة للمجالس المحلية، مع ضمان مشاركة جميع المكونات في صنع القرار على المستوى المحلي والوطني.
– إشراك الجميع في كتابة وصياغة دستور عصري للبلاد لضمان حقوق جميع السوريين.
– تمكين المرأة وضمان تمثيلها في المؤتمر العام، إضافةً إلى مشاركتها في الهيئات التشريعية
– تمكين الشباب وإشراكهم في العملية السياسية والاجتماعية، من خلال برامج تدريبية وحملات توعية لتعزيز مشاركتهم في بناء المجتمع.
– التعليم والثقافة وتطوير مناهج تعليمية تعكس التنوع الثقافي واللغوي في المنطقة، مع تعزيز المهرجانات الثقافية المشتركة التي تعكس ثقافات المكونات المختلفة.
– تحسين البنية التحتية والخدمات العامة (مياه، كهرباء، صحة، تعليم) في المناطق المهمشة، خاصةً في المناطق التي تعاني نقصاً في الخدمات.
– التنمية الاقتصادية المتوازنة: توزيع عوائد الموارد الطبيعية (النفط، الغاز، الزراعة) بشكلٍ عادل بين جميع المناطق.
– حرية وديمقراطية التعليم والحرية الدينية في ممارسة العقائد والطقوس
– محاسبة مجرمي الحرب أمام محاكم مدنية عادلة وتحقيق مبادئ العدالة الانتقالية وإيقاف الممارسات الانتقامية الموجهة ضد شرائح وفئات مجتمعية في العديد من المناطق السوريّة.
– تعزيز قيم التسامح لبناء هويّة وطنية جامعة، التي تحترم التنوع الثقافي والديني، مع ضمان حماية حقوق جميع المكونات من خلال قوانين تضمن المساواة والعدالة.