الحسكة/ محمد حمود – بعد أكثر من عقد من الحرب والتدمير، تبرز الحاجة الملحة إلى حوار شامل بين السوريين لإعادة بناء سوريا الجديدة، هذا الحوار يجب أن يصل للاعتراف بجميع المكونات الاجتماعية، والسياسية، والثقافية السورية، ويضمن مشاركة الجميع في صنع القرار، فمن خلال الحوار، والاعتراف المتبادل، والتعايش يمكن تحقيق السلام والاستقرار.
في خضم الأزمات التي عصفت بسوريا على مدار أكثر من عقد من الزمن، أصبح من الواضح أن الحل الوحيد لإعادة بناء الدولة السورية، على أسس جديدة هو الحوار الشامل بين السوريين، فبعد سقوط النظام البعثي، الذي مثّل أحد أبرز أسباب الصراع الدامي، بات من الضروري أن يجتمع السوريون حول طاولة واحدة، لرسم مستقبل بلدهم.
هذا الحوار يجب أن يكون شاملًا، يشارك فيه السوريون، يعترف بالشعوب والمكونات، والطوائف، والأديان، واللغات في سوريا، بما يضمن حقوق الجميع دون استثناء، والحوار ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية لبناء سوريا الجديدة.
فالبلد الذي مزقته الحرب يحتاج إلى بناء جسر من الثقة بين أبنائه، وهذا الجسر لا يمكن بناؤه إلا من خلال الاعتراف المتبادل بحقوق الشعوب والمكونات السورية، فالسوريون، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية، أو الدينية، أو السياسية، شركاء في هذا الوطن، منذ مئات السنين، ولا يمكن استثناء أي طرف من عملية البناء.
لا يمكن إنكار الآخر
في هذا السياق، تحدث المواطن، عدنان الهاشم: “الحوار هو السبيل الوحيد لإنهاء حالة التشظي التي نعيشها، نحن في الحسكة نعيش تنوعًا كبيرًا، ونعرف جيدًا أن التعايش ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية، والاجتماعية لهذا التعايش، كما إننا يجب أن نتعلم من تجاربنا المحلية، ونطبقها على الجغرافيا السورية. سوريا بلد متنوع بامتياز، فهي موطن للعرب، والكرد، والآشوريين، والأرمن، وغيرهم، كما تضم مسلمين، ومسيحيين، وإيزيديين وديانات أخرى، هذا التنوع كان دائمًا مصدر قوة لسوريا، لكنه تحول في ظل النظام السابق إلى مصدر للصراع بسبب سياسات التهميش والإقصاء. لذلك؛ فإن أي حوار جاد يجب أن يعترف بهذا التنوع ويضمن حقوق الجميع دون مواربة”.
وحول ذلك، قالت المواطنة، وفاء حميدي: “نحن، السوريين، نحتاج إلى أن نعترف ببعضنا، لا يمكن أن نستمر في إنكار وجود الآخر الشريك في هذا الوطن، الكردي، والعربي، والمسيحي، والمسلم، أليس كلهم سوريين، لذلك، علينا جميعاً المشاركة في بناء سوريا المستقبل، ومحاولة دق الإسافين بين السوريين، ستبوء بالفشل بوحدة السوريين”.
إحدى أكبر التحديات التي تواجه عملية الحوار، هي ضمان مشاركة الفئات في صنع القرار، ففي الفترات الأخير، كان هناك استبعاد للسوريين بمختلف أطيافهم من العملية السياسية، مما أدى إلى تفاقم الأزمات بشكل أكبر، لذلك، فإن الحوار المستقبلي يجب أن يكون شاملًا، يعطي الفرصة للجميع، بما في ذلك النساء، والشباب، والمجموعات المهمشة، للمشاركة في تحديد مصير البلاد.
النساء والشباب أساس البناء
في ذلك تحدث عدنان الهاشم: “لا يمكن أن نكرر أخطاء الماضي، الشباب والنساء، يجب أن يكونا في قلب عملية الحوار، هم من عانوا أكثر من غيرهم خلال الحرب، وهم من يملكون الرؤية لمستقبل أفضل”.
بالطبع، الحوار لن يكون مهمة سهلة، فالتاريخ السوري مليء بالصراعات والجراح العميقة، التي تحتاج إلى وقت طويل للالتئام، بالإضافة إلى ذلك، هناك تحديات سياسية، وأمنية، واقتصادية، تعيق عملية الحوار، لكن هذه التحديات لا يجب أن تكون عائقًا أمام عملية الحوار، بل يجب أن تكون حافزًا لبذل المزيد من الجهد لتحقيق المصالحة الوطنية.
وبخصوص ذلك، قالت وفاء حميدي: إن “التحديات كبيرة، لكنها ليست مستحيلة، نحن بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية، وإلى دعم دولي يعزز عملية الحوار دون التدخل في شؤوننا الداخلية، الأهم من ذلك، نحتاج إلى ثقافة الحوار داخل مجتمعنا، ثقافة تقبل الآخر وتتعامل معه كشريك وليس كعدو”.
في هذا السياق، لا يمكن إغفال دور المجتمع الدولي في دعم عملية الحوار، فالدول التي تدخلت في الصراع السوري، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عليها أن تتحمل مسؤوليتها في دعم عملية السلام، وتعمل على المصالحة الوطنية الشاملة في سوريا، لكن هذا الدعم يجب أن يطال جميع السوريين، ولا يحابي طرفًا على حساب آخر.
وختاما؛ إن بناء سوريا الجديدة يتطلب جهدًا جماعيًا من السوريين، الحوار الشامل الذي يعترف بحقوق الشعوب والمكونات، ويضمن مشاركة الجميع في صنع القرار، هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك، كما أن هناك تجارب مثلا مشروع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، أتثبت أن التعايش المشترك بين الشعوب السورية ممكن، إذا توفرت الإرادة والرغبة في العيش المشترك.